تشهد الفترة الحالية في مصر ارتفاعات متتالية في أسعار عديد من السلع، فمرة ترتفع أسعار حديد التسليح والأسمنت ومرة أخري أسعار اللحوم والدواجن، ومؤخرا أسعار الخضراوات والطماطم التي بلغ سعرها رقما قياسا وصل إلي 10 جنيهات للكيلو، وقد انخفض حاليا إلي نحو 6 جنيهات وفي بعض الأسواق لأقل من ذلك وهذه التقلبات العنيفة في فترة وجيزة تدفعنا للتساؤل عن أسباب هذا التضخم والارتفاع غير المبرر في أسعار السلع. من المعروف أن التضخم يحدث لسببين رئيسيين هما "جذب الطلب" أو "دفع النفقة" والمقصود يجذب الطلب هو زيادة كبيرة في الطلب علي سلعة ما مع ثبات عرض السلعة علي ما هو عليه وينتج عن ذلك ارتفاع الأسعار وجذب الطلب هذايحدث عندما تزيد دخول المستهلكين زيادة كبيرة أو نتيجة لرغبتهم في تخزين كميات إضافية من السلعة فجأة لسبب أو لآخر، مثل توقع نقص المعروض منها في المستقبل أو توقع ارتفاع الأسعار في المستقبل، ومثل هذا السلوك يتسبب في ارتفاع الاثمان بدون مبرر. أما دفع النفقة فيعني ارتفاع نفقة إنتاج السلعة بما يؤدي إلي رفع السعر حتي لا يتحمل البائع خسارة أو للمحافظة علي معدل الربح الذي اعتاد عليه، وفي جميع حالات ارتفاع الأسعار التي حدثت مؤخرا في مصر تقريبا لا تنطبق عليها هذه الظروف. إذ إن العودة السريعة للأسعار إلي نحو مستواها السابق تنم عن أن هذا الارتفاع يرجع إلي أسباب أخري وهذه الأسباب الاخري يطلق عليها الاقتصاديون اسم الأسباب المؤسسية أو التنظيمية أي أن هناك خللا ما في مؤسسات السوق أو تنظيمه يؤدي لحدوث هذه الظاهرة. ان الاعتماد علي نظام السوق في تحديد أسعار السلع المختلفة طريقة كفء في حالة كون السوق كاملة بمعني أن هناك عددا كبيرا من البائعين والمشترين وأن المعلومات التامة متوافرة لجميع اللاعبين بالسوق، مع وجود حرية دخول وخرج في السوق ومجالات الانتاج فضلا عن التجانس الكبير في وحدات السلع واذا تغيبت هذه العناصر أو بعضها فإن السوق تكون مشوهة وغير كاملة، ولا يكون السعر الذي يسود فيها كفؤا ولا يعكس الاوضاع الحقيقة لعرض السلعة والطلب عليها وفي مثل هذه الحالات يفشل نظام السوق في أداء دوره، ويصبح من الضروري علي الدولة أن تتدخل بطريقة أو بأخري لضبط الأحوال الاقتصادية ومنع احتكار المنتجين للأسواق، وتضرر المستهلكين من ارتفاع تكلفة المعيشة. وطريقة التدخل تتوقف علي تفهم طبيعة السلعة وتنظيم الإنتاج ومدي قدرة الدولة علي فرض نقطة النظام التي تسعي إلي تطبيقها. وعلي سبيل المثال، فإن أسعار الخضراوات تكون مرتفعة جدا في أول موسم ظهورها وفي آخره.. وهذا الارتفاع مبرر نظرا لضآلة حجم المعروض منها. أما أثناء الموسم فلا يوجد لها من تفسير إلا السلوكيات الاحتكارية مع ضعف الرقابة علي الأسواق. إن اتباع الدولة في الوقت الحاضر لسياسة السوق لا يعني عدم مراقبتها له، والتدخل بجميع الأساليب نظرا لعدم اكتمال السوق عندنا في مصر، ووجود أسباب هيكلية ومؤسسية تحول دون عمله بكفاءة.. وتكرار الارتفاع غير المبرر لأسعار الخضراوات والفواكه في مصر ليس حديثا، إذ إنه يحدث منذ نحو نصف قرن.. وقد حاولت الحكومات المتعاقبة منع ذلك بأساليب عدة. فتارة تدخلت مباشرة في سوق الجملة لكي تقلل من الارباح الباهظة التي تحقق في هذه الحلقة من البيع والتسويق.. ولكن لم تفلح في ذلك بسبب جمود القواعد الحكومية وقوة تجار الجملة في التعامل مع المزارعين بما يدفع الآخرين إلي تحبيذ التعامل مع التجار بدلا من الحكومة. كما حاولت الدولة ضبط الأسعار عن طريق المجمعات الاستهلاكية ومنافذ البيع.. إلا أن هناك شكوي عامة من أن هذه الأخيرة إما أنها تبيع بأسعار أعلي من أسعار غيرها، أو أن جودة كثير من المنتجات متدنية بشدة، ولذلك لم تفلح في ضبط الأسعار. ومن ثم فإن الطريقة الأكثر مناسبة لتجنب الارتفاع غير المبرر لأسعار الخضراوات والفواكه في مصر هو ضرورة تسعيرها بالطريقة العادلة، مع زيادة فعالية الرقابة علي الأسواق.. ولكي نواجه أمورنا بصراحة فإن الرقابة علي الأسعار ليست كفءا وتتهم في كثير من الحالات بالانحراف.. لذلك يجب رفع كفاءة هذه الأجهزة وتوفير جميع المتطلبات التي تعمل علي تحقيق ذلك. ويصح ما سبق قوله بطريقة صارخة علي سوق الطماطم، فهي سلعة غير قابلة للتخزين.. ومعرضة للتلف السريع في ظل ارتفاع درجات الحرارة، فكيف يرتفع سعرها ارتفاعا كبيرا في يوم وليلة ثم ينخفض سريعا في فترة وجيزة، ولا يمكن أن نقبل التفسير الشائع بأن دودة أو مرضا أصاب محصول الطماطم إذ لو صح ذلك، فكان من المفروض أن يستمر ارتفاع سعرها إلي حين ظهور العروة التالية من الطماطم. ولكن الانخفاض السريع ينفي ذلك.