صلاح مقلد: تراجع دور الدولة أصاب الفلاح بالارتباك وفيما يخص رؤي أساتذة الاقتصاد الزراعي بهذا الشأن فقد أشار دكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة إلي بعض الإجراءات التي تم طرحها من جانب الحكومة ويقول إنه فيما يتعلق بتشجيع الزراعات التعاقدية، وتطوير منظومة التجارة الداخلية فإنهم قد طالبوا مرارا وتكرارا بضرورة تطبيق تلك الحلول وذلك لاختصار حلقات التجارة ومن ثم الحد من أرباح الوسطاء والحفاظ علي وصول السلع بأسعار متوازنة للمستهلك، وكذلك لتقليل الفاقد والهادر الذي تتعرض له السلع الغذائية. مؤكدا بذلك أن ما تم إعلانه من تحركات سوف يسهم لاشك في ضبط الأوضاع ولكن المهم أن يتم التنفيذ ولا يقتصر الأمر علي مجرد تصريحات وردية يتم إطلاقها دون اتخاذ خطوات فعلية كما حدث كثيرا من قبل بقضايا عديدة!! فالتصريحات شيء والفعل شيء آخر، ولذلك لابد أن تقترن الإجراءات التي تم إقرارها بوجود آليات فعلية تترجم علي أرض الواقع. ويضيف أن الوضع العالمي اليوم أصبح حرجا وأنه لم يعد هناك أي مجال للتخاذل والانتظار فيما يتعلق بتصحيح وضعية الإنتاجية الزراعية من السلع المختلفة خاصة مع أطلقته منظمة" الفاو" مؤخرا من إمكانية تعرض العالم لموجة جديدة من أزمة الجوع والغذاء.. منوها إلي أننا اليوم قد أصبحنا نعاني من مشكلة زراعية كل يوم تقريبا وأنه لابد من اتخاذ مجموعة من السياسات العاجلة والحاسمة لضبط إنتاجيات مصر من المحاصيل الاستراتيجية علي الأقل بهدف تأمين احتياجات البلاد والحد من الاعتماد علي الاستيراد. انسحاب الحكومة وبالمثل يري د. صلاح مقلد أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة عين شمس أن الإجراءات التي أعلن عنها مجلس الوزراء للحد من الارتفاعات الجنونية في أسعار السلع التي تشمل توسيع الطاقة الاستيرادية، لا تكفي لإعادة التوازن للسوق خاصة أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية والمضاربات التي حدثت في الأسواق العالمية في أعقاب أزمة الغذاء، هذا بخلاف ارتفاع تكاليف النقل نتيجة ارتفاع أسعار النفط يجعل هذا الحل خيالي لأن أسعار السلع المستوردة داخل السوق المحلية ستصبح أيضا مرتفعة. ويوضح د. صلاح مقلد أن أحد الحلول الجذرية لمعالجة أزمة الأسعار تشمل زيادة الإنتاج الزراعي المحلي من خلال برامج التوسع الأفقي واستطلاح المستهدف بخطط التنمية الزراعية التي تحرص الوزارة مؤخرا في الإعلان عنها، كما أننا في حاجة ماسة إلي عودة سياسة زراعية حكيمة تضمن النهوض بهذا القطاع من جديد وتعميق دوره في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير المواد الخام اللازمة لكثير من الصناعات التحويلية لدينا. مؤكدا أن تراجع دور الدولة وانسحابها تدريجيا من السوق وبالتحديد في التسعينيات حيث أعلنت تبينها لقانون الإصلاح الاقتصادي واستخدامها نظام السوق الحي الذي يترك المنحني السعري للسلع خاضع لقوانين العرض والطلب، كل هذا جعل الوضع أكثر تأزما لقطاع الزراعة لدينا، فإذا كان هذا الانسحاب لدور الحكومة يصلح في قطاعي الصناعة والتجارة فإن تطبيقه أضر بمصلحة هذا القطاع الاستراتيجي ومن ثم فإن هذه الارتفاعات المتوالية في أسعار السلع والمحاصيل هي النتيجة المتوقعة في ظل غياب استراتيجية زراعية تدعم متطلبات السوق. ويستطرد د. صلاح مقلد أنه بعد أن كانت للدولة خطة زراعية "الدورة الزراعية" تحدد بموجبها احتياجات السوق المحلي من المحاصيل الأساسية وإرشاد المزارع وتشجيعه علي زراعتها، أصبح الأمر متروكا برمته لاجتهادات الفلاح، الذي يفتقر بدوره لقاعدة معلومات زراعية ترشده إلي احتياجات السوق، موضحا أن تفضيل المزراع لزراعة محاصيل ذات عائد نقدي مرتفع أدي إلي عشوائية في الزراعة انعكست بدورها علي نقص المعروض من إحدي السلع وزيادته من بعض السلع الأخري، وهذا الأمر لم يؤثر فقط علي ارتفاع أسعار السلع ولكنه امتد أيضا ليؤثر سلبا علي بعض القطاعات الأخري مثل التصنيع الزراعي الذي شهد تراخيا كبيرا إبان الفترة الماضية. ويري د. صلاح مقلد أن ثمة تحديات أخري خارجية أثرت بدوره علي الإنتاج الزراعي تتمثل في تزايد المخاطر الناتجة عن التغيرات المناخية وانعاستها علي المحاصيل الأساسية إلي الحد الذي وصل معه الفاقد في بعض المحاصيل هذا العام إلي 70% وهو الأمر الذي يدعونا إلي ضرورة تشجيع البحث الزراعي وتطويعه لاستنباط أصناف جديدة مقاومة للحرارة والرطوبة.