الزيارة التي قام بها الرئيس "بشار الأسد" إلي السعودية الأحد الماضي كانت مهمة للغاية من منطلق أن التوافق السعودي السوري يعتبر عنصرا رئيسيا في حلحلة عدد من القضايا العربية، زيارة "بشار" جاءت غداة زيارة قام بها "جيفري فيلتمان" مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأدني - لكل من السعودية ولبنان، ولهذا شغل الملف اللبناني حيزا كبيرا من المباحثات بين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس "بشار" لاسيما علي ما شهدته لبنان من تطورات متعددة كان آخرها زيارة "نجاد" التي آثارت جدلا بين الأطراف اللبنانية بالإضافة إلي التوتر المتصاعد في لبنان علي خلفية المحكمة الدولية الخاصة بمعاقبة الضالعين في اغتيال الحريري والأزمة التي تثار حول مستقبلها لاسيما بعد أن سقطت مصداقيتها إثر اعتمادها علي شهادة شهود الزور. ** إرساء التهدئة في لبنان زيارة الرئيس "بشار" للسعودية تعد امتدادا للزيارة التي كان الملك عبدالله عاهل السعودية قد قام بها لدمشق في يوليو الماضي وتوجه كلاهما معا إلي بيروت للقاء الرئيس ميشيل سليمان إمعانا في إرساء التهدئة السياسية في لبنان واحتواء التوتر الذي كان قد تصاعد في الفترة الأخيرة إثر الحديث عن احتمال توجيه المحكمة الدولية الاتهام إلي عناصر في حزب الله، كان لابد يومها من احتواء الموقف خشية من اندلاع مواجهات جديدة ذات طابع سني شيعي في لبنان. ** لماذا لا يحاكم شهود الزور؟ لقد سرت مخاوف من عودة التوتر إلي داخل لبنان في أعقاب مذكرات التوقيف التي أصدرتها سوريا في أوائل الشهر الحالي ضد 33 شخصية سياسية وقضائية وعسكرية وإعلامية لبنانية وعربية وأجنبية والتي كان لها وقع الصدمة في لبنان وتحديدا لدي فريق 14 آذار الذي وجدها بمثابة دعوة سورية معلنة إلي إلغاء المحكمة الدولية أو علي الأقل السعي لتعطيلها غير أن الحقيقة تقول بإن هذه المذكرات صورت في الأساس لعدة أسباب يتصدرها أن من حق سوريا أن تحاسب من أساء إليها خاصة شهدي الزور ومن وقف وراءهم من اتهموها زورا وبهتانا باغتيال الحريري ولهذا كان يتعين محاكمتهم. ثانيا: كان لابد للمحكمة الدولية أن تعمد إلي تصويب عملها وتحويله إلي الوجهة القانونية الصحيحة كي تنأي بنفسها عن أية غايات سياسية. ذلك أن تسييس المحكمة من شأنه أن يلحق الضرر بلبنان لأنه يشيع حالة من عدم الاستقرار، ولهذا كان الاجدر بالمحكمة الدولية أن تتحدث عن محاكمة شهود الزور لكونه الأساسي المنطقي لمصداقيتها، فما كان يمكن أن يظلوا بمنأي عن المحاسبة بينما يتم إلصاق الاتهامات جزافا بالأبرياء من خلال قرار ظني تصدره المحكمة الدولية. ** بعيدا عن التسييس والضغوط الخارجية الأمر كان ولا يزال يستدعي إجراء تحقيق مستقل ونزية خال من أي نوع من أنواع التسييس أو الضغوط الخارجية، وأن ينحو صوب محاكمة شهود الزور الذين ضللوا المحكمة بشكل أدي إلي اتهام الابرياء والحاق الاذي بأربعة من رجال الجهاز الأمني اللبناني فمن سجنوا ظلما لأربع سنوات كاملة. بل أن شهود الزور هؤلاء هم الذين أدلوا بافادات كاذبة لتوجيه الاتهام إلي سوريا باغتيال الحريري. ولقد تمت تبرأتها فيما بعد وعمد سعد الحريري إلي توثيق تلك التبرئة عندما أكد في سبتمبر الماضي بأنه ارتكب خطأ عندما اتهم دمشق بالاغتيال وهي منه براء. ولذا كان يتعين علي الحكومة اللبنانية البت في الموضوع بحيث يجري تحويل شهود الزور إلي القضاء. وكان يتعين علي المجتمع الدولي اذا أراد احقاق الحق وأراد السلامة للبنان أن يدلي بدلوه في القضية، فلا يعقل أن يصر المدعي العام في المحكمة الدولية القاضي "بلمار" علي ألا يسلم شهادات شهود الزور، فكأنه بذلك يقوم بحمايتهم بدلا من محاكمتهم رغم أن شهاداتهم تلك هي التي أدت إلي سجن الابرياء.