حين قرأت تقييم صحيفة واشنطن بوست الأمريكية للوضع في أفغانستان الذي وصفته اجمالا بأن الفساد هناك أخطر من طالبان انتبهت الي ان الأمر ينسحب علينا نحن العرب فالفساد الذي طالت مظاهره كثيرا من القطاعات في العديد من البلدان العربية يمكن ان يكون بل هو بالفعل أخطر من معظم المشكلات والقضايا والسلبيات التي يعانيها هذا القطر أو ذاك. الفساد سبب ونتيجة لكثير من مآسينا أو كما يقولون هو "أس البلاء".. أو الخميرة التي تسرع من التفاعلات الضارة التي تهدد الحاضر وربما تسلب أجيالا قادمة حقها في المستقبل. ولكن خارج دوائر الاحتمالات والجدل يبقي الفساد الداء الأخطر الذي اذا أصاب مفاصل أي مجتمع فإنه كفيل بتهيئته للانهيار. تأصيل معظم المشكلات التي يعانيها العرب بداية من الفقر ومرورا بالبطالة وانتهاء بالارهاب يمكن رد بعض جذورها الي تفشي الفساد وما يترتب عليه من توابع وردود أفعال تضرب محاولات النمو والتقدم في الصميم وتصيب القوي القادرة علي الانجاز بالإحباط. لماذا ترتفع معدلات الفقر؟ لماذا تنتشر البطالة؟ لماذا لا تصل ثمار النمو إلي أوسع القطاعات؟ لماذا تزيد الديون؟ لماذا يتغلغل الإرهابيون والمتطرفون؟ و... و... وعشرات من أسئلة علي هذه الشاكلة يكون القاسم المشترك في اجاباتها ذات الكلمة: الفساد! في التقارير الدولية تحتل المنطقة العربية مكانة متميزة اذا كان الحديث حول الفساد ومظاهره ومستوياته المتعاظمة في المؤتمرات المحلية والقومية ثمة اعترافات من جانب مسئولين رفيعي المستوي بالظاهرة، لكنهم يردفون: ليس العرب وحدهم المتفردين من المعاناة من الفساد والفاسدين، انه ظاهرة دولية عابرة للحدود والفاسدون موجودون في كل مكان وفي كل عصر وأوان. قولة حق يراد بها باطل، صحيح ان الفساد ظاهرة ترتبط بممارسات البعض في كل مكان وزمان، لكن توحش الفاسدين يأتي علي الاخضر واليابس ويقود الي قتل المستقبل وتجريف الآمال والاحلام ودونهما فإن الانسان لا يستطيع ان يواجه تحديا او يغتنم فرصة. الفساد موجود في كل مكان وزمان تلك حقيقة، لكن توحش الفساد ظاهرة عربية تحتاج الي مواجهة حاسمة تأخر أوانها كثيرا. هذا أول الطوفان!