بعد تراجع أداء أسواق المال خلال النصف الأول من العام الجاري، وصفت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية البورصات العالمية بأنها تكافح من أجل أن تنمو أثناء النصف الثاني من السنة الحالية، موضحة أن تراجعات الأسواق في الفترة الأخير عكرت مزاج المستثمرين، وتعد الأشهر الستة الماضية أسوأ أداء شهدته تلك الأسواق منذ ما يقرب من عامين، كما شهدت البورصات في مايو الماضي أصعب شهر لها منذ أواخر عام ،2008 بسبب أزمة الديون السيادية. وقالت الصحيفة إن أداء مؤشر فاينانشال تايمز لجميع الأسهم العالمية قد تراجع بنحو 5.10% خلال النصف الأول من العام الجاري، في ظل المخاوف التي تشير إلي تباطؤ الاقتصاد العالمي، فضلا عن هبوط أداء الاقتصاد الصيني، علي الرغم من أنه كان الدافع والمحرك للاقتصاد العالمي في العام الماضي، حيث تراجع مؤشر شنغهاي للبورصة الصينية بنسبة كبيرة بلغت نحو 27%، وهبط أيضا مؤشر ستاندرد آند بورز ،500 والذي يعد من أهم المؤشرات، وأوسعها انتشارا، وأكثرها معرفة عند المستثمرين في أمريكا حيث يحتوي علي أسهم 500 شركة بمعدل 3.6%. ومن جانبه يقول أحمد زينهم مدير شركة تي إم تي للاستشارات المالية إنه كثرت التوقعات بالأداء المتراجع في ،2010 وذلك امتدادا لأداء الأسواق في السنة الماضية، ولعل ما يبرز ذلك تحول العديد من المستثمرين نحو الملاذات الآمنة، مثل الذهب وسندات حكومية معينة، فجذبتهم تلك الأدوات، خوفا من تعرضهم في تلك الأصول لمخاطر كبري، وكانت البيانات الاقتصادية خلال هذا الشهر المنقضي مناسبة بشكل عام، حيث أوضحت احتمال أن يصبح الاقتصاد الأمريكي قائد المسيرة متقدما علي أوروبا واليابان خلال الفترة القادمة. ويوضح أنه لابد من عودة الثقة لدي المستثمرين، حتي تستعيد الأسواق وتسترد جزءا من عافيتها، لأن التحدي الأكبر الذي يواجه أسواق المال خلال الفترة الراهنة، هو كيفية عودة الثقة إليها، وهذا يمثل جانبا كبيرا في دور الأجهزة الرقابية، من ناحية الإفصاح والشفافية، حيث تكمن قوة سوق المال بشكل كبير علي قوة المركز المالي للشركات، والتي تدعم ثقة المستثمرين من خلال البيانات والمؤشرات والتقارير والتحليلات والدراسات وغيرها من المعلومات التي تنشرها للمتعاملين، ومن ثم يمكن القول إن الأزمة الحقيقية التي تعاني منها معظم الأسواق حاليا لا تتعدي أن تكون أزمة ثقة، ويتضح ذلك في حال رؤية سوق ما لا يستجيب لأي أنباء إيجابية سواء داخلية أو خارجية، وذلك في حال صعود الأسواق الأخري العالمية. ويضيف أنه يجب توفير مزيد من الرقابة التي تسهل عمل المستثمر الصغير، وتساعد علي معاملته بنفس المستوي الذي يتم التعامل به مع المستثمر الكبير دون تمييز، فضلا عن أن حماية المستثمر الصغير يجب أن تحظي بأهمية قصوي سواء من الجهات الرقابية أو من الشركات المقيدة في السوق، لأن المستثمرين الصغار في غالبية الأمر يمثلون العمود الفقري للشركات وهم مصدر قوتها وليس المستثمرون الكبار كما يعتقد الكثير، كما يجب العمل علي مساعدة المستثمر الصغير وتحويله إلي مستثمر حقيقي وليس مضارب مثلما يحدث في كثير من الأسواق. ويقول الدكتور محمد الصهرجتي العضو المنتدب لشركة سوليدير للسمسرة في الأوراق المتالية إن أداء الأسواق تأثر كثيرا خلال الفترة الماضية بسبب الأزمات التي واجهت الدول الأوروبية، ومن ثم لابد من البحث عن حل لمشكلة الهبوط التي تعاني منها الأسواق، مشيرا إلي ضرورة بث الثقة في نفوس المتعاملين من جانب المسئولين في حكومات دول العالم، لأن الثقة بمثابة عامل كبير جدا في السياسة الاستثمارية، ولعلها تأتي غالبا من وراء سياسة الإفصاح والشفافية في الأسواق، حيث إن اتباع سياسات الإفصاح والشفافية يساعد في معرفة اتجاهات أسواق المال، ومن ثم إمكانية التعرف علي استراتيجيات التعامل معها في أوقات عدم الاستقرار، كما يعمل اتباعها علي استقامة أداء الأسواق، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة، لأن سوق الأسهم لا يهدف فقط إلي جني الأرباح وإنما هو أداة فاعلة من أدوات الاقتصاد المحلي، وكذا أحد الأماكن التي من خلالها يتم توفير السيولة وإشراك الأفراد في الأنشطة الاقتصادية. ويوضح أن تعزيز معايير الشفافية في أسواق المال والشركات والرقابة الفعالة يقلل من الأخطاء ويسهم في تشجيع المستثمرين الصغار وتفعيل مشاركتهم في مختلف القرارات، لأن غياب المعلومة عامل رئيسي في ابتعاد المستثمرين وترددهم عن الاستثمار، لأنهم هم عماد السوق وعامل واضح في نشاطه وحيويته، ولابد من تعزيز الشعور لديهم بأهميتهم في عمليات الاستثمار في السوق وأنهم لا يقلون عن كبار المستثمرين، إن لم يزيدوا عنهم أهمية. ويلفت كريم عبدالعزيز مدير صناديق الأسهم بشركة الأهلي لإدارة صناديق الاستثمار إلي أن الثقة هي أساس الاستثمار في سوق المال وهي السبيل الأكبر في الوقت الحالي لمواجهة التراجعات التي منيت بها الأسواق