المنتديات العربية مع أطراف إقليمية، هي إحدي أهم ثمار سياسة الجامعة العربية خلال السنوات التسع الماضية، منذ تولي عمرو موسي الأمانة العامة للجامعة.. ولمن يتابعون عن قرب نشاط الجامعة يعلمون أن العلاقات العربية اللاتينية، والعربية الإفريقية، والعربية اليابانية، والعربية الصينية، وما نتج عنها من قمم، ومنتديات مشتركة، بما في ذلك اللقاءات الدورية علي مستوي الخبراء وكبار المسئولين، والوزراء، وصولا إلي القادة في تلك المجموعات الإقليمية، شهدت ولادتها بمبادرات من السيد عمرو موسي نفسه والذي حولها من أفكار كانت تبدو شبه مستحيلة، إلي حقيقة وواقع ملموس، سرعان ما انعكس بالإيجاب علي حجم التبادل الاقتصادي، وحركة الاستثمار، والسفر، والعلاقات الثقافية والإنسانية بصورة عامة. وكل الأحلام تبدأ من أفكار.. أحياناً مستحيلة! أقر هذه الحقيقة لأنتقل إلي نقطة مفصلة شهدها المنتدي العربي الصيني الذي تصلح دورته الرابعة بمدينة "تيانجين" الأسبوع الماضي لتكون محكا لتقييم هذا التعاون منذ إطلاق المنتدي عام ،2004 وللقيام بوقفة مع النفس، ومع الصديق للإجابة علي سؤال مهم: هل وصلت هذه العلاقة إلي مستوي الشراكة الاستراتيجية؟ كل الأرقام والمؤشرات الاقتصادية تؤكد أن هذا المستوي من الشراكة شهد طفرة كبيرة والفضل الكبير في ذلك يعود إلي جهود الجامعة العربية، والدول منفردة في تعزيز العلاقات الاقتصادية، بروح مختلفة بثها المنتدي العربي الصيني في شرايين الدفتين. وعندما نأتي إلي المستوي السياسي، فهذا قد شكل خيبة أمل، ظلت مداراة ربما طيلة العقد الأخير، لكنها كشفت عن أبعادها "الصادمة" بالنسبة للعرب، ونقطة التعرية الفاضحة جاءت عندما رفض المسئولون الصينيون التوقيع علي البيان الختامي المشترك في نهاية أعمال المنتدي، والذي يعتبر القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. وهنا، الصين تتنكر لحقيقة تاريخية، بأن القدسالشرقية مدينة محتلة، وهي عاصمة للدولة الفلسطينية، وهي نفس الحقيقة التي كانت تعترف بها وتعلنها، وقد ساندت الصين علي مر العقود الماضية حق الشعوب في التحرر من الاستعمار واسترجاع أراضيها المحتلة، ولكن ها أنها قررت أن تغير تلك المواقف علنا لحسابات التوازن لصالح إسرائيل. ولابد علي ضوء ذلك من وقفة عربية، تهتدي وتسير وفقاً لوجهة ورؤية الأمين العام للجامعة عمرو موسي الذي صرح بعد ذلك الرفض الصيني علي توقيع البيان الختامي بأن الصين تحتاج إلي المساندة العربية في القضايا التي تهمها، مثلما يحتاج العرب إليها لمساندتهم في قضاياهم، "وإن علي المسئولين الصينيين أن يدركوا هذه الحقيقة". وإذا كانت إسرائيل نجحت خلال السنوات الماضية في إقامة شبكة واسعة من العلاقات مع الصين في جميع المجالات، وأدي ذلك بوضوح إلي تغيير الصين لموقفها تدريجيا من قضية مفصلية مثل القدس، فإن العرب بدورهم يستطيعون أن يغيروا من مواقفهم تجاه هذا الحليف الصيني، ومن موقع قوة. فكما هو معروف، يساند العرب الصين "الواحدة" في مواجهة قضية "التبت" ولم تفتح أي دولة عربية حدودها لاستقبال زعيم هذه الأقلية "الديلي لاما" لما يحمله من نوايا انفصالية، كما ساند العرب الصين في معركتها مع "طفلها" المنافس لها المنسلخ عنها والمنقلب عليها "تايوان". وفي أية لحظة للتصويت داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وداخل المنظمات الدولية، يصبح وزن أصغر دولة عربية البحرين مثلا ضمن المجموعة العربية التي تضم 22 دولة، بنفس وزن الصين العملاق الاقتصادي. والمعني واضح، الصين تحتاجنا مثلما نحتاجها، واليوم لك، وغداً عليك! أما وسائل الوقفة العربية، إذا توافرت الإرادة الحقيقية، ومن منطلق قوة، وليس ضعفاً فهي كثيرة، والبدء بلغة المصالح الاقتصادية التي يفهمها جيداً الصينيون، وتهمهم الأكثر. فالصين التي أصبحت ثامن أكبر شريك تجاري للدول العربية، حققت طفرة سريعة في نمو مبادلاتها التجارية منذ إنشاء المنتدي العربي الصيني في ،2004 حيث تضاعفت أكثر من ثلاث مرات ووصلت إلي 4.107 مليار دولار سنة ،2009 مروراً علي التوالي من 7.36 مليار دولار في عام ،2004 و3.51 مليار في ،2005 و6.65 مليار في 2006 و80 ملياراً في ،2007 و133 مليار دولار سنة 2008. وفي الوقت الذي تحتاج الصين لأسواق الدول العربية لتدخل منتجاتها، والآلات والمعدات وبعض الخامات، فهي في أشد الحاجة أيضاً للنفط العربي والغاز الطبيعي والفوسفات، والمعادن والعديد من الخامات، والتي تشكل أكثر من نصف وارداتها من تلك المواد. وعلي سبيل المثال تعد الصين ثاني أكبر مستورد للنفط السعودي. هذا عن التجارة التي هي في صالح الصين دائماً، بل ويشتكي المسئول الكبير مثل المواطن البسيط من إغراق الأسواق العربية بالمنتجات والسلع الصينية، ومعظم ما يصلنا رديء وسيئ السمعة.