بعض النماذج الفاشلة في إدارة مشروعات خاصة ليس مبررا لإلغاء المشروعات الخاصة، تماما كما لا يجب - مثلا - إخراج كوبري روض الفرج من الخدمة لأن طفلا وقع في حفرة أثناء سيره علي الكوبري بجوار والدته مما أدي الي وفاته، أو لأن سيارة قفزت فوق سوره لتستقر في قاع النيل نتيجة رعونة السائق . أقول هذا الكلام بمناسبة ما أثير أخيرا حول فشل سياسة الخصخصة أي بيع بعض مشروعات الحكومة والقطاع العام لمستثمرين من القطاع الخاص، الحالات التي سمعنا عنها هي حالات الفشل، بمعني فشل الادارة الجديدة في تسيير الأمور بما يحقق أهداف المستثمر وأهداف العاملين بالمشروع في آن واحد، لكننا لا نسمع شيئا عن المشروعات المستقرة والناجحة إنما كل ما نسمعه فقط عن الفاشل والمتراجع . السمعة السيئة التي صاحبت مشروع الخصخصة لحقت بمشروع قانون يسمح للقطاع الخاص بالمشاركة في مشروعات البنية الأساسية كمشروعات محطات المياه أو الصرف الصحي أو الطرق الحرة أو محطات الكهرباء، فانطلقت صيحات التحذير من أن يؤدي ذلك إلي احتكارالقطاع الخاص لسلع وخدمات حيوية بما يؤدي الي التحكم في الأسعار وذلك ينطوي بالطبع علي خطورة علي الأمن القومي . نواب المعارضة بمجلس الشعب طالبوا بوقف مشروع القانون، واعتبروا أنه بمثابة إعلان رسمي عن فشل سياسة حكومة الحزب الوطني في إدارة موارد الدولة، وطالبوا الحكومة بالرحيل . من داخل الحزب الوطني نفسه طرح الدكتور مصطفي السعيد، رئيس اللجنة الاقتصادية المشاركة مع لجنة الخطة والموازنة في وضع تقرير حول القانون تحفظاته ، قال إن هذه المشاركات تنطوي علي ثلاثة مخاطر وهي استغلال الموقف الاحتكاري للمشروع وتأثيره علي أسعار ونوعية الخدمة، بالإضافة إلي تأثير المشروع علي ميزان المدفوعات، وكذلك تأثير بعض المشروعات علي الأمن القومي نظراً لمشاركة شركات متعددة الجنسية. شدد علي عدم ترك الأمر للسلطة التنفيذية وحدها، وطالب بأن يتم عرض نماذج العقود لهذه المشروعات علي مجلس الشعب، وقال: لابد أن يناقش القانون بهدوء وروية، حتي نتفادي هذه المخاطر. هنا تبدو ملامح تحفظات، وأسلوب لادارة تلك التحفظات، وليس معارضة ترفض الفكرة لأسباب أيدولوجية مثل رفض مشاركة القطاع الخاص أساسا في التنمية، أو لأسباب حزبية ضيقة مثل رفض الفكرة لأنها جاءت من الطرف الآخر . التحفظات مهمة للغاية يجب دراستها بعناية ووضع الاحتياطات اللازمة لسلامة التطبيق، فلم يعد لدينا رفاهية رفض المشروعات التنموية لمجرد وجود مخاوف أو وساوس لدي البعض، كما أن بعض الناس الذين يتربصون بخطط التنمية لاختطاف ثمارها أولا بأولا ينبغي أن نجد طريقة لردعهم بدلا من الامتناع عن التنمية بحجة أنهم سيسرقونها في نهاية المطاف .