هناك دعوات تتردد حاليا بين أوساط عدد من الكتاب الذين يدعون إلي التغيير بأن يتحرك الشارع لإحداث التغيير مهما كانت التضحيات. وكاتب مثل الدكتور علاء الأسواني يقول في مقال أخير له: إن التغيير له ثمن يجب أن ندفعه. وفي الحقيقة هذا منطق مخيف وطريق محفوف بالمخاطر يجب أن نحاول الابتعاد عنه بدلا من أن نقود التيار إليه. فالشارع إذا ماقدر له أن ينتفض لإحداث التغيير الذي يتحدثون عنه، فإنه قد يكون نارا تقتلع الأخضر واليابس، ولن يكون هناك ما يمكن البناء عليه، فهي لن تكون فوضي خلاقة بقدر ما ستكون فوضي مدمرة تعيد المجتمع كله إلي الوراء بدل من أن تدفعه إلي الأمام. فلن يكون تحرك الشارع مرتبطا فقط بفكرأو بهدف محدد، وإنما سيكون تحركا تقوده وتغذيه شحنات كثيرة من الغضب والحقد الطبقي وتراكمات وانعكاسات الأحوال الاقتصادية المتردية لكثير من الفئات المطحونة، وهو تحرك سيأخذ شكلا انفعاليا انتقاميا من كل شيء، ولن يمكن السيطرة عليه بسهولة إلا بعد أن تراق وتسيلي دماء كثيرة لن تكون ثمنا للتغيير إنما ستكون نوعا من التضحية بالبسطاء في لعبة الصراع علي السلطة. فالذين يريدون تحريك الشارع من أصحاب الياقات البيضاء الذين لن يكونوا أبدا في مسيرات الاحتجاج والرفض لأنهم سيجلسون في انتظار ما تسفر عنه المواجهات لاستثمار النتائج في تدعيم مواقعهم الجديدة التي يبحثون عنها، وفي الاستفادة من أي عواقب للمزيد من المزايدة وجني المكاسب. وقد تكون دوافعهم في تحريك الشارع هي نوع من اليأس لصعوبة تحقيق التغيير الذي يدعون إليه، وقد تكون أيضا دوافع من منطلقات وطنية صادقة، ولكن الأفكار النبيلة يجب أن تقوم علي دراسة واعية متفهمة لأرض الواقع وطبيعة المجتمع الذي يتحدثون عنه.ففي الانتفاضة المصرية المشهورة عندما كان الرئيس الراحل أنور السادات في الحكم والمعروفة بانتفاضة 18 و19 يناير والتي جاءت في أعقاب القرارات الجماعية بزيادة أسعار الكثير من المواد الغذائية والاستهلاكية والتي أطلق عليها السادات تعبير انتفاضة الحرامية فإن الصور التي نشرت في وسائل الإعلام لعدد من المشاركين في الانتفاضة وهم يقومون بتحطيم المحلات التجارية ليحملوا ما استطاعوا الوصول إليه كفيلة دائما بأن تجعلنا نخشي من أي تحرك مشابه قد لا يمكن السيطرة عليه في ظل تزايد الفجوة بين الطبقات والتي أفرزت وأوجدت الكثير من الأمراض الاجتماعية الخطيرة! ولا يعني التحذير من إحداث التغيير عن طريق الشارع الدعوة إلي الاستسلام والرضوخ لما هو قائم دون تغيير، بل هي دعوة إلي العقلانية والتريث قبل تهييج الشارع والتلاعب بمشاعره وأوجاعه وآلامه. وهي أيضا دعوة إلي الاسراع في وتيرة الاصلاح من الداخل بشكل ملموس يعيد الأمل في أن الغد يمكن أن يكون أفضل من اليوم وأن هناك ضوءا في نهاية النفق المظلم. ولا توجد صعوبة في إحداث التغيير المطلوب إذا ما بدأنا الطريق السليم بالاعتماد علي أهل الخبرة والعلم في حل مشاكلنا بدلا من أهل الثقة الذين هم حائط الصد الذي يقف حائلا دون أي تغيير حفاظا علي مكاسبهم ومصالحهم الشخصية والذين تضخمت ثرواتهم وأملاكهم بطرق غير مشروعة وبالتحايل علي القانون واستغلال مواقعهم الوظيفية. ولو أن الناس شعرت بأن هناك توجها حقيقيا نحو محاربة الفساد والمحسوبية واستغلال النفوذ لكان الحديث عن تحريك الشارع أو اللجوء إليه نوعا من الخيال الذي لا مكان له علي أرض الواقع. ولو أن الناس لمست وجود فكر جديد قائم علي المكاشفة والمصارحة والصدق لاستراحت وقدمت العون والمساندة فالتغيير الذي نبحث عنه هو التغيير الذي يركز علي احترام المواطن ودوره وقيمته، ولو تحقق ذلك فإن الاصلاح سيأتي طبيعيا وحتميا وفي صالح الجميع ومن أجل الوطن والمواطن، ومن أجل الحاضر والمستقبل معنا. Sayedelbably @ hotmail.com