باعتراف الساسة والخبراء الأمريكيين والصينيين فإن العلاقات الأمريكية الصينية هي أهم علاقات ثنائية في العالم ويقف وراء هذا الاعتراف احتياج الولاياتالمتحدة للصين في قضايا مثل كوريا الشمالية، وإيران، والبيئة، كما أن الصين هي أكبر ممول لعجز الميزانية الأمريكية من خلال شرائها لأذون الخزانة، أما الصين فإنها تحتاج للولايات المتحدة كسوق لصادرتها ومنتجاتها. وقد وصلت هذه العلاقات الثنائية من العمق درجة جعلت خبيرا استراتيجيا أمريكيا مثل زيجنو برجينسكي يدعو ويتوقع إنشاء G2 تجمع الصين والولاياتالمتحدة بدلا من G8 التي تجمع الدول الصناعية الكبري. وكذلك كان هذا الواقع هو الذي دفع رؤساء أمريكيين لأن يبدأوا عهدهم وخلال حملاتهم الانتخابية بانتقاد الصين وسياستها، وكان آخر هؤلاء هو جورج بوش الابن الذي اعتبر الصين خلال حملته الانتخابية منافسا استراتيجيا Strategic Competitor وليس شريكا استراتيجيا Strategic Partner كما وصفها البعض، إلا أن عهده في الحكم قد شهد استقرارا في علاقات البلدين. وقد بدأ باراك أوباما عهده باعتبار الصين ضمن نطاق نهجه الجديد في سياسته الخارجية وبناء علاقات مع العالم تقوم علي الحوار والتعاون وكان الصين من المحطات الرئيسية في رحلاته الاسيوية في نوفمبر الماضي، وقبله كانت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون في زيارة للصين، قد مهدت لها بالقول بأن الولاياتالمتحدة لن تدع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان تفسد علاقاتها الشاملة مع الصين. غير أنه مع كل هذا الادراك كان ثمة ادراك مواز بأن العلاقات بين البلدين لا تخلو من مصادر للاختلاف قد تهدد علاقاتهما الثنائية وامكانات التعاون من أبرز هذه القضايا علاقات الولاياتالمتحدة مع تايوان التي تعتبرها الصين جزءا متكاملا من الوطن الأم، وقضايا التجارة والمال، فضلا عن الدعاوي الأمريكية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان في الصين كما تفجرت قضية العلاقة بين واشنطن والمنشقين التبت حينما أعلن البيت الابيض مؤخرا عن عزم أوباما علي استقبال الدالاي لاما الزعيم الروحي للتبت قبل نهاية هذا الشهر. وقد تفجرت مؤخرا واحدة من هذه القضايا الخلافية وهي تايوان حين تقدم بارك أوباما إلي الكونجرس الأمريكي لبيع تايوان أسلحة أمريكية بقيمة 6 بلايين دولار وهو الذي فجر الغضب الصيني، بأكثر مما فعل في حالات سابقة، وأقدمت بكين علي اتخاذ عدد من الاجراءات العقابية مثل وقف التعامل مع الشركات الأمريكية التي تبيع هذه الاسلحة ووقف زيارة كان سيقوم بها وزير الدفاع الأمريكي للصين في نهاية هذا العام، ووقف الحوار الاستراتيجي الذي كانت قد بدأته مع إدارة بوش، وجري مؤخرا في الشهور الأولي لإدارة أوباما. ويتساءل المراقبون عما دفع باراك أوباما إلي هذا الإجراء ببيع أسلحة لتايوان مع علمه بحساسية هذه الوطنية بالنسبة للصين ومن التفسيرات التي قدمت في هذا الشأن ما بدا مؤخرا من سلوك الصين من تأكيد مكانتها وتعاملها "المتغطرس" مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ورئيسها وهو مابدا في مؤتمر قمة المناخ في كوبنهاجن حيث لم تبد الصين باعتبارها من أكثر الدول تلويثا للبيئة تعاونا في هذا المؤتمر، وعدم تعاونها في جهود منع ايران من تملك أسلحة نووية، ورفضها المطلب الأمريكي بخفض عملاتها، والقيود علي تصرفاتها علي شبكات الانترنت والتي تجسدت أخيرا في وقف التعامل مع جوجل فضلا عن سلوك الصين تجاه المعارضين السياسيين وصدور حكم آخر بسجن احدهم. أما تفسير قوة رد الفعل الصيني فيجده البعض في نمو المشاعر القومية لدي الرأي العام الصيني، والذي أصبحت القيادة السياسية الصينية تحاول الاستجابة له، كما يفسر بقرب انتهاء ولاية الرئيس الصيني الحالي وتغير القيادة الصينية. في هذا السياق تبدو الأزمة الأخيرة حول مبيعات السلاح الأمريكي لتايوان وقوة رد الفعل الصيني اختبارا للعلاقات بين البلدين وهل هي حقا كما يتحدث الخبراء والمحللون علاقات شراكة وتعاون أم علاقات صراع وتنافس؟