أصدر مجمع البحوث الإسلامية برئاسة الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر بياناً رسمياً يؤيد بناء الحكومة المصرية استحكامات هندسية علي الحدود مع الأراضي الفلسطينية. جاء البيان بعد موافقة أعضاء المجمع علي حق الدولة في أن تقيم علي أرضها من المنشآت والسدود ما يصون أمنها وحدودها وحقوقها. جاء في نص البيان أنه من الحقوق الشرعية لمصر أن تضع الحواجز التي تمنع أضرار الأنفاق التي أقيمت تحت أرض رفح المصرية، والتي يتم استخدامها في تهريب المخدرات وغيرها مما يهدد ويزعزع أمن واستقرار مصر ومصالحها . انتقد المجمع في بيانه الأصوات التي تعارض بناء تلك المنشآت علي أساس أنهم يخالفون بذلك ما أمرت به الشريعة الإسلامية ، لأنه من غير المقبول أن تترك مصر حدودها مفتوحة لأي جماعات أو أفراد يهددون أمنها واستقرارها. هذا البيان الذي صدر عن الأزهر ليصف الاجراءات الحكومية بالشرعية الدينية ، دفع علماء آخرين الي سحب الشرعية الدينية من الاجراء الحكومي ووصفوه بأنه حرام شرعا . السؤال هنا ليس عن مواقف المؤيدين والمعارضين لمشروع سيادي يتصل بالأمن القومي المصري ويدخل في اطار برامج الحماية والدفاع الوطني ضد الأخطار المحتملة ، ولكن التساؤل الممتزج بالدهشة يتسع حول جدوي خلط مثل هذا الموضوع برأي جماعة الأزهر الشريف عن موقف الشريعة الاسلامية منه التي أفتت بأنه موافق للشرع الحنيف . ورأي الجماعة الأخري المعارضة لها التي أصدرت فتوي مضادة بأن الاجراء المصري لحماية الحدود غير مطابق للشريعة الاسلامية . من حق جماعة العلماء بصفتهم مواطنين مصريين أن يبدوا آراءهم في المسائل العامة ، من حق القائمين علي شئون الأزهر الشريف أن يبدوا رأيهم كأعضاء في مؤسسة دينية محترمة سواء كانت تلك الآراء موافقة أو معارضة لأي اجراء حكومي خاصة في الموضوعات التي تثير جدلا بين الرأي العام ، لكن الحديث باسم الشريعة الاسلامية في هذا المقام هو ما نتوقف عنده بقوة لنسجل اعتراضنا عليه نظرا لما قد يثيره من بلبلة عند العامة ، وما قد يستغله بعض المروجين لفكرة الدولة الدينية التي يجب أن تلتزم بفتوي العلماء في كل ماتذهب اليه من قوانين او سياسات . الأمر المهم لدينا هو العلاقة بين جهاز الفتوي في الدولة المصرية ووضعه القانوني بين أجهزتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ومدي التزامها بما يصدر عنه من فتاوي . ثم بالتالي وضع مصادر الفتوي غير الرسمية المنتشرة الآن عبر وسائط الاتصال الحديثة والسريعة وتأثير كل ذلك علي العامة ، ثم جدوي استخدام المؤثر الديني في الترويج لفكرة أو سياسة أو اجراء مهما اختلفت طبيعته السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية ، وسواء كان مجاله داخليا أو خارجيا .