يبدو أننا قد عدنا إلي عصر الفتوات والبلطجية من جديد، ويبدو أيضا أن كل واحد فينا سيكون في حاجة إلي "بودي جارد" لحمايته في الشارع وفي المنزل كذلك..! ففي كل حادث دموي يقع حاليا فإننا نكتشف ان المتهم أو المتهمين كانوا من ارباب السواق ومن المسجلين بأنهم خطر علي المجتمع وانهم كانوا يمرحون في كل مكان قبل الحادث بحرية تامة وتحت أعين رجال الامن في بعض الحالات. وفي حادث قنا الدموي الذي اسفر عن مقتل 8 أقباط واصابة 8 آخرين فقد قالوا إن المتهم الاول اعتاد القيام باعمال البلطجة وفرض اتاوات علي المسلمين والمسيحيين. وهو امر يبعث علي الحيرة والذهول، فالمتهم لم يجد من يردعه من قبل، ولم يجد من يتصدي له، ومن يقف أمامه رافضا دفع الاتاوة أو الاستجابة لرغباته، فانطلق في طريق الشر إلي أن وصل إلي مرحلة اطلاق الرصاص علي الاقباط وقتل بعضهم في جريمة لا تمثل بعدا دينيا بقدر ما هي استمرار وترجمة لغرور ومنهج البلطجة الذي منحه احساسا زائفا بالقوة والعدوانية. وفي اماكن كثيرة في مختلف محافظات مصر ينتشر نفس هذا النموذج الدموي لاشخاص نصبوا من انفسهم قضاة يفرضون مفاهيمهم الخاطئة علي الناس وينشرون الرعب والخوف في غيبة التواجد الامني في الشارع المصري، وهو غياب طالما حذزنا منه واشرنا إلي خطورة عدم تطوير أو تفعيل المنظومة الامنية بحيث نعيد الامن والامان والاستقرار إلي الشارع مرة اخري. فالناس في قنا لم تذهب إلي الامن تشكو وتطالب بالتصدي لهذا القاتل الارهابي عندما كان يفرض الاتاوات علي الجميع، لأن الناس كانوا علي قناعة بأن الامن ربما يرفض التدخل وأن من يقدمون ضده الشكوي قد يرتد اليهم غاضبا ثائرا لينتقم منهم ويذيقهم العذاب. والناس في احياء كثيرة بما فيها القاهرة استسلمت لنفس المفهوم وهو أنه من الافضل ان تتجنب الشر وأن تلبي طلبات ورغبات أي بلطجي أو فتوة بدلا من الشكوي التي لا طائل منها. والنتيجة أن الشارع أصبح تحت رحمة وسيطرة الخارجين علي القانون.. وما اكثرهم سواء كانوا علي هيئة سائقي ميكروباصات، أو سائقي "توك توك".. أو شحاذين يجوبون الشوارع ويدقون زجاج السيارات بقوة طلبا للمساعدة، أو في هيئة بلطجية يجلسون علي المقاهي ويفرضون سيطرتهم علي الجميع. واذا كان البعض يتحدث عن ظاهرة انتشار النقاب بشكل واسع في الاحياء الشعبية المكتظة فإن ذلك مرتبط أيضا بفقدان الاحساس الامني للنساء، وحيث يعتقدن أن في ارتداء النقاب حماية لهن من عمليات التحرش الجنسي السافر التي تتم علي نطاق واسع في هذه المناطق من بلطجية وفتوات لا يكترثون بقانون ولا يحترمون العادات ولا التقاليد ولا يراعون مشاعر رجل ولا امرأة. وزاد من المأساة ومن الفوضي في الشارع المصري أن بعض رجال الامن اعتادوا عقد مهادنة مع هؤلاء الفتوات والاعتماد عليهم في تعقب ورصد انشطة اصحاب الاتجاهات الدينية والسياسية الذين ركز الامن جهوده ونشاطه عليهم مما جعل هؤلاء الفتوات والبلطجية يشعرون بأهميتهم وقوتهم فازدادوا غرورا وطفيانا، وتخيل بعضهم انه يقوم بواجبه الوطني أيضا.. ولم يكن غريبا أن ينتاب بعضهم الاعتقاد بأن له موقف وقضية كما في حالة المتهم الاول في احداث قنا الذي كان إلي جانب كونه بلطجيا احد الوسطاء الذين تدخلوا أكثر من مرة لحل مشكلات بين مسلمين ومسيحيين، وكان متعصبا في المشكلات الطائفية بشكل خاص. اننا نأسف ونشارك اخواننا الاقباط اخزانهم في قتلي حادث قنا، ونأمل في أن يأخذ هذا الحادث حجمه الحقيقي في كونه جريمة حمقاء ارتكبها مجموعة من الخارجين علي القانون الذين يجب أن ينالوا العقاب المناسب، وأن تكون محاكمتهم بداية لنهاية عصر البلطجية والفتوات لأنه لا امن ولا أمان في هذا البلد اذا لم ينصلح حال الشارع ويعود اليه الانضباط ولغة القانون.