من غرائب السياسة المعاصرة علي الاطلاق ، الحملة المنظمة التي تشنها بعض الدوائر الفلسطينية علي ماتسميه الجدار الفولاذي علي الحدود الدولية بين مصر وبين قطاع غزة في اشارة الي اجراءات ذات طبيعة هندسية تتخذها السلطات المصرية لحماية خط الحدود من الاختراق فوق الأرض وتحتها . أكثر هذه الغرائب غرابة أن يشارك بعض المصريين في تلك الحملة مطالبين بترك حدود بلادهم الدولية عرضة للاختراق بدعوي أن أنفاق التهريب علي الحدود تخفف أثر الحصار علي شعب غزة المسكين متجاهلين خطورة فتح قنوات سرية للتهريب تكتسب شرعية بغض النظر عنها ، علي الأمن القومي المصري ومصالح الشعب المصري . يقولون حرام أن نحرم الشعب في غزة من التهريب ليفك عن نفسه آثار الحصار الاسرائيلي الظالم علي القطاع ، فاذا قلنا ولماذا لا يفك الشعب عن نفسه الحصار كلية فلا يعود بحاجة الي التهريب وفي يد حكامه أن يفعلوا ذلك ، سمعنا كلاما عجبا عن المقاومة والثوابت ، ولم نسمع كلمة واحدة عن مصلحة سكان غزة . الطريق الطبيعي والسهل والمنطقي لانهاء الحصار الذي فرضته اسرائيل علي قطاع غزة هو الغاء مبرراته ، الحصار فرضته اسرائيل علي القطاع بسبب انشقاق حركة حماس علي شرعية السلطة الوطنية الفلسطينية لخلاف بينهما علي أشياء كثيرة . الضغوط التي تمارسها حماس وأنصارها تستهدف مصر بالدرجة الأولي وتطالبها بفتح حدودها مع قطاع غزة لمساعدة حماس علي المضي قدما في تكريس انفصال غزة عن الضفة الغربية . مصر اذا فتحت الحدود بالتعاون مع سلطة غير شرعية ، لغير الدواعي الانسانية ، تكون في الواقع منحازة لها وموافقة علي توجهاتها ، وهذا افتراض غير مقبول فضلا عن أنه غير صحيح ، لماذا ؟ لأن الانفصال بين الضفة وبين غزة ليس في مصلحة القضية الفلسطينية من ناحية ولأنه يضر الأمن القومي المصري من جهة أخري . والاثنان معا يصبان في مصلحة اسرائيل التي تجد في ذلك منفذا للتخلص من مطلب اقامة دولة فلسطينية واحدة عاصمتها القدس ، كما تتخلص من الزامها بحل مشكلة عودة اللاجئين الفلسطينيين عن طريق توطينهم في البلاد المجاورة ومنها شبه جزيرة سيناء . ان وضع اسرائيل كطرف في المعادلة بطريقة خاطئة متعمدة هو في الواقع نوع من الابتزاز المرفوض ، فلا يسوغ وجود اسرائيل كطرف في المعادلة تهاون مصر في حماية حدودها الدولية والتعامل مع عصابات التهريب الدولية والمحلية علي أنها حل لمشكلة سياسية في الأصل يرفض المتسببون فيها حلها ويطالبون غيرهم بما لا يقبلون به لأنفسهم.