"مصائب قوم عند قوم فوائد"، هكذا جاءت أزمة إمارة دبي التي قدمت لمصر فرصة ذهبية لتصبح أقوي المرشحين للفوز بمقعد المركز المالي الاقليمي في المنطقة بعد الوعكة المالية التي أصابت الأولي مؤخرا والتي تمثلت في طلبها بتأجيل سداد ديون شركتي دبي العالمية ونخيل العقارية كخطوة أولي نحو إعادة هيكلة الشركتين وإعلانها في نفس الوقت طرح سندات حكومية بقيمة 5 مليارات دولار من مصرفين اماراتيين في أبوظبي، وجاء ذلك في الوقت الذي يقدر فيه اجمالي ديون دبي عن العام الماضي 80 مليار دولار من بينها 60 مليار دولار لشركة دبي العالمية المملوكة لحكومة دبي المالكة لكل موانئ دبي العالمية التي تدير 49 ميناء علي مستوي العالم خاصة انه من المفترض سداد 3.5 مليار دولار في 14 ديسمبر الحالي كديون شركة النخيل الفرع العقاري لشركة دبي العالمية التي تقيم مشروعات صناعية عملاقة. وفي هذا السياق تطرح حاليا سيناريوهات كثيرة حول مسار انتعاش اقتصاد دبي من جديد الي جانب تفاوت التوقعات بحسب مستوي التفاؤل إلا ان الأمر غير المؤكد هو توقيت الانتعاش في الوقت الذي تدور فيه التكهنات بين خبراء ومحللي سوق الاوراق المالية حول مسار النمو خلال الأشهر المقبلة ومدي تبعات ازمة دبي علي الاسواق العالمية والخليج وباقي دول المنطقة ومن بينها مصر، فضلا عما إذا كانت هذه الأزمة ستحد من ان تصبح مركزا اقتصاديا عالميا. وتوقع الخبراء ان تصبح مصر مركزا لجذب الاستثمارات الخليجية المالية الهاربة من الأزمة الخليجية خاصة ان قرار حكومة دبي ادي الي وجود ازمة ثقة بين المستثمرين علي مستوي اسواق المال كما تأثرت الثقة في الخروج من الأزمة العالمية وذلك وسط مخاوف من بروز ائتمان قد تتسبب في زيادة الاضطرابات المالية من جديد. بداية، أكد خالد عبدالعزيز رئيس احدي شركات السمسرة وتداول الاوراق المالية ان احداث ازمة ديون دبي الاخيرة من شأنها ان تضع السوق المصرية في مقدمة الاسواق الجاذبة للاستثمارات العربية والهاربة من الخليج علي المديين الطويل والمتوسط مشيرا الي ان العامل النفسي للمستثمرين يلعب دورا كبيرا في مثل هذه الحالات وهو الأمر الذي يضع المستثمر في حالة ترقب وانتظار حتي تتضح الأمور. واضاف ان حالة التوتر والقلق لدي المستثمر أمر طبيعي خوفا علي استثماراته، موضحا ان السوق المصري سرعان ما تخطي هذه الازمة بعد حالة الهبوط الحادة التي شهدها السوق في أولي جلسات التداول بعد هذه الأزمة. أما فيما يتعلق بهبوط معظم الاسواق بشكل مبالغ فيه في أعقاب الإعلان عن أزمة ديون دبي الأخيرة لفت عبدالعزيز إلي ان الازمة جاءت متزامنة مع دخول أغلب الأسواق في موجة تصحيح وهو ما أسهم في حدوث هذا الهبوط الدامي في بعض الأسواق. من جانبها، تعتبر ماريان عزمي خبيرة التحليل المالي بشركة مترو للوساطة المالية ان أزمة دبي الأخيرة تعتبر بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير" حيث إن حجم المبلغ ليس بالكبير وهو ما يتزامن مع إعادة الهيكلة التي تنويها شركة دبي العالمية لافتة إلي ان هذه الأزمة من شأنها ان تدعم السوق المصري ليصبح مركزا ماليا اقليميا جاذبا للاستثمارات في ظل عدم ثقة المتعاملين في الاسواق العربية خاصة في ظل عدم وضوح الرؤية كاملة الي جانب الهبوط المتوقع استمراره في الاجل القصير للعديد من الأسواق. وأوضحت ماريان عزمي ان هبوط كل سوق له أسبابه علي حدة المصاحبة للأزمة بالطبع بخلاف حجم ارتباط الدولة نفسها بأعمال داخل دبي مشيرة الي وجود احتمالات لإعادة هيكلة دبي العالمية خاصة مع وجود استثمارات كبيرة للدولة في دول خارجية وهو ما يعمق الأزمة بالضرورة وقد يزيد من تداعياتها في حال حدوث الأسوأ. وأوضحت ان الدول غير المرتبطة استثماريا بدبي العالمية مثل آسيا لم تشهد بورصاتها انخفاضات تذكر حيث يكمن قلقها في عودة الموارد البشرية من أبنائها الي بلادهم الأم مرة أخري. من جانبه، علق الخبير الاقتصادي محمد منصور: إذا لم تقم دبي بحسن إدارة الأزمة فإن ذلك سيكون له بعض الفوائد علي دول الشرق الأوسط وعلي رأسها مصر إلا انه توقع في الوقت نفسه ان تنقذ "أبوظبي" إمارة دبي بدلا من المخاطرة التي لو طالت من شأنها ان تقود المستثمرين من الامارة بسبب خطأ خاصة أن دبي تشكل نحو 32% من اجمالي الناتج المحلي لدولة الامارات في حين ان نصيب أبوظبي يصل إلي 56%. من جانبه، يشير عصام مصطفي العضو المنتدب بشركة "نماء" لتداول الاوراق المالية الي ان أزمة دبي تعتبر لا قيمة لها لافتا الي ان الأزمة ذات معني "كيفي" بشكل أكبر مرجعا ذلك الي الطفرة الكبري التي شهدتها امارة دبي خلال 2008 حيث تعتبر بمثابة حصاد للنظام المالي في وقت ما قبل الأزمة في وقت باتت فيه خلال حوالي 10 سنوات جاذبة بقوة للاستثمارات ويؤكد مصطفي أن الأزمة لا تعني اقتصاد دولة وأن الأسواق سواء العربية أو العالمية تستطيع عبورها بسهولة بعد تخطيها للحاجز النفسي. أما الدكتور هاني توفيق رئيس شركة النعيم للوساطة في الأوراق المالية فأكد ان تجميد المديونية لشهر مايو المقبل يرجع لاعتماد دبي علي معاونة أبوظبي وهو أمر غير وارد مضيفا ان مبدأ التداول بعد اجازة العيد يتزامن مع أول رد فعل للبورصة المصرية علي تعاملات العرب التي تظل في حدود 15 و20% من حجم التعاملات اليومية والتي من المتوقع انخفاضها نتيجة حالة الخوف الذي قد تسيطر علي المتعاملين العرب. واضاف توفيق ان مكمن الخطورة يأتي من عدم توافر المعلومات التي تعتبر مصدرا رئيسيا لتحديد المواقف للمحللين كما ان الاحصاءات غالبا ما يتم جمعها عن الامارات كلها وليس عن امارة دبي وحدها. وفي نفس السياق اكد بنك الاستثمار "بلتون" في دراسة حديثة ان دبي سوف تواجه منافسة متزايدة للاستثمار الأجنبي من دول مثل قطر ومصر والمغرب مما يجعل الأمر أكثر صعوبة للامارة المرتدة من أزمة الديون التي اندلعت مؤخرا. وأكد تقرير بلتون ان دول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا تنمي نفس الخدمات التي أخذت دبي الي موضع الأهمية مثل البنية التحتية المالية والاستثمار العقاري وخدمات التجزئة مشيرا إلي أن الامارات جذبت 13.7 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في 2008 طبقا لتقرير الأممالمتحدة للاستثمار العالمي مقارنة بجذب مصر 8 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العام المالي 2008/2009 المنتهي في يونية الماضي في ظل توقعات من الحكومة المصرية بأن تبلغ التدفقات النقدية 10 مليارات دولار في العام المالي 2009/2010 الذي سينتهي في يونية 2010. وفي المقابل، اكدت المجموعة المالية هيرميس ان دبي ستظل جاذبة للأجانب بسبب المميزات التي تشمل طريقة الحياة الحرة وايجاد سكن بطريقة اسهل الي جانب انه كشروط لبناء بنية تحتية مالية هي "دبي" مازالت في مقدمة دول أخري عديدة في المنطقة.