لم أصدق عيناي وأنا أقرأ الصحف الصادرة أمس الثلاثاء وأجد في الصفحة الأولي لبعضها خبراً بعنوان "الغول يضرب نائباً لمطالبته بإقالة وزير النقل". وتحت هذا العنوان اللامعقول نص الخبر "اشتبك عبدالرحمن الغول رئيس لجنة الزراعة بمجلس الشعب مع النائب محمود مجاهد بالأيدي، وحاول الاعتداء عليه بالضرب وشتمه قائلاً "أنت قليل الأدب"، وذلك عندما طالب مجاهد بإقالة وزير النقل". ولو أن أي مواطن مصري قرأ نفس الخبر في جريدة حزبية معارضة أو خاصة لساوره الشك في صحته، أو اعتبره شكلاً من أشكال التشهير بالحزب الوطني الحاكم ونوابه بالبرلمان. لكن الخر منشور بهذا العنوان وذلك النص في الصفحة الأولي لجريدة الأهرام "القومية" الوقورة. إذن نحن أمام كارثة مزدوجة .. كارثة قطار العياط التي راح ضحيتها عشرات القتلي والمصابين لأسباب لا يقبلها عقل، كأن يقول وزير النقل أن السبب في الحادث "جاموسة" قطعت الطريق علي القدطار فصدمته فتعطل، مما جعل القطار القادم خلفه يضربه فتقع المصيبة، رغم أن الفارق بين وقت تعطل القطار الأول واصطدام القطار الثاني به خمسة وثلاثون دقيقة بأكملها لم يتم خلالها إتخاذ أي إجراء آلي أو بشري لتنبيه القطار الثاني من الورطة التي وقع فيها القطار الأول بسبب الجاموسة إياها، ورغم أن هيئة السكك الحديدية بالذات لا تستطيع إدارتها أو الوزير المشرف عليها الادعاء بضيق ذات اليد وضعف الإمكانيات. فقد حصلت علي المليارات التي طلبتها رغم العجز في الموازنة العامة للدولة وتم تفضيلها علي جميع المرافق والهيئات الحيوية حتي وصل بها الحال إلي إنفاق و"بعزقة" ملايين الجنيهات علي إعلانات تليفزيونية سمجة وسخيفة تزف لنا بشري التحسن الرائع في خدمة القطارات من ناحية وتحملنا نحن من ناحية أخري مسئولية الحفاظ عليها من اللصوص والمزوغاتية والمخربين. وجاءت كارثة العياط لتكشف أن هذا كله كلام فارغ. وأن الاهمال مازل هو سيد الموقف في هذا المرفق الخطير. صحيح أنه تم شراء معدات وتكنولوجيا متقدمة وقاطرات بعضها اشترته مصلحة السكك الحديدية من أموال دافعي الضرائب ومعظمها جاءها هبات ومنح من دول عربية، لكن هذه التكنولوجيا والمعدات الجديدة وقعت في أيدي منظومة بيروقراطية وتكنوقراطية أدمنت الأهمال والتسيب والاستهانة بأرواح الناس الذين لم يرفضوا دفع زيادات فوق طاقة دخولها المحدودة في تذاكر القطارات "المحسنة". ولا يمكن اختزال كارثة هذا المرفق الحيوي الخطير في حادث العياط، رغم بشاعته، فهناك سلسلة أخري من السلبيات التي لا يمكن السكوت عنها، ومن بينها تأخر مواعيد القطارات بالساعات رغم أنه من المفترض أن تكون بالثانية والفمتوثانية في كافة بلاد الدنيا بما في ذلك البلدان التي تركب الأفيال ومن بينها قذارة قطارات الدرجة الأولي التي تعبث فيها الفئران بأرجل وأقدام الركاب فما بالك بقطارات السبنسة والترسو التي يحشر فيها معظم المصريين. هي إذن كارثة مكتملة الأركان. لكن الكارثة الثانية التي لا تقل خطراً هو "تبريرها" ومحاولة التخلص من مسئوليتها بإلقاء التبعة علي عاتق كبش فداء من صغار كبار وكبار صغار الموظفين.. وسائقي القطارين كالعادة رغم أن الواضح وضوح الشمس هو أن الخلل شامل في المنظومة بأسرها وصورية التفتيش وروتينية المتابعة. والأعجب أن الوزراء لدينا لم يعد لديهم أي إحساس بالمسئولية السياسية عن مثل هذه الكوارث التي يستقيل نظراءهم في البلاد الديموقراطية لأخطاء أهون منها بكثير، وينتحر بسببها نظراءهم في جنوب شرق آسيا. أما وزراءنا فلاشئ يعنيهم ولا مسئولية عليهم. والأكثر مدعاة للدهشة أنه عندما يقوم أحد أعضاء مجلس الشعب بواجبه ويطالب الوزير بالاستقالة يتصدي له أحد نواب الحزب الوطني ويسبه ويهدده بالضرب و"العهدة علي الأهرام". أليست الكارثة مزدوجة إذن؟ وهل مازال في قوس الصبر منزع؟!