عندما وافق الكونجرس الأمريكي في فبراير الماضي علي قانون الحافز الاقتصادي الذي تبلغ قيمته 787 مليار دولار ويتم إنفاقه علي عامين كان ذلك ينطوي علي أنباء سعيدة وفي نفس الوقت أنباء سيئة بالنسبة لرجال البيت الأيض وإدارة الرئيس باراك أوباما. أما الأنباء الطيبة فهي كون هذا الحافز يمثل أكبر إنفاق في التاريخ تقوم به أية إدارة أمريكية لصالح ناخبيها من أجل إعادة تشييد المباني وتوفير الوظائف وتمويل المراكز الصحية وغير ذلك. وبالمقابل كان الجانب السيئ هو كمية الشك غير المسبوقة التي صاحبت إقرار قانون هذا الحافز في قدرة الحكومة علي إنفاقه بشكل عاقل وجيد. وتقول مجلة "تايم" إن الشكوك حول هذا الحافز قد تعمقت بمرور الوقت. فالاقتصاد قد تدهور بأسرع مما توقع الاقتصاديون، والبطالة زادت وينتظر أن تصل إلي 10% في العام القادم أي أعلي مما كان يقدر البيت الأيض في يناير الماضي. وفي ظل أية ظروف طبيعية كان المفترض أن تزيد شعبية مثل هذا الحافز ولكن العجوزات المالية الهائلة التي ترزح تحت وطأتها واشنطن أصابت الناس بالانزعاج ففي عام 2009 وحده سيزيد الدين العام الأمريكي بنسبة 63% من جملة الإنتاج الاقتصادي وفي عام 2016 سيصل هذا الدين إلي 70% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي ولذلك صارت استطلاعات الرأي العام تظهر واحداً بعد الآخر تآكل قبول الناس لهذا الحافز الاقتصادي. وخلال اجتماع في البيت الأبيض غداة صدور قانون الحافز الاقتصادي كان مقررا أن يناقش الرئيس أوباما مع نائبه جون بايدين وغيره من المساعدين مذكرة رسمية تحذر من أن إنفاق مثل هذا المبلغ الضخم "787 مليار دولار" علي عشرات الآلاف من المشروعات ومن خلال مئات الوكالات ذات الاختصاص سيوجد فرصا للفساد وزيادة الفاقد لم يسبق لها مثيل.. واقترح بايدين أن يكون هناك شخص مسئول عن عملية الإنفاق للتقليل من حجم الفاقد وفرص الفساد. ومن دون تردد كلف الرئيس أوباما نائبه بايدين بتولي هذه المسئولية. ولأن النائب جون بايدين مدرب علي محاربة الفساد منذ كان عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية ديلاور قام الرجل بتشكيل لجنة مراقبة في البيت الأبيض تضم 8 أشخاص ومهمتها ضمان نظافة وسرعة عملية إنفاق أموال الحافز الاقتصادي بدرجة يمكن الدفاع عنها. فالاقتصاديون يؤكدون أهمية الإسراع بضخ الأموال في الاقتصاد الأمريكي لكي تعوض ما حدث من انخفاض في طلب المستهلكين والشركات وتوقف نزيف الوظائف الذي يحدث كل يوم. أما بايدين ولجنته فيهمها زيادة الثقة الشعبية في جدوي هذا الحافز ولذلك فقد تم وضع معايير لتحديد مدي أولوية المشروعات الواجبة التمويل من هذا الحافز.. وقام بايدين وفريقه منذ وقت مبكر بإخطار حكومات الولايات والمحليات بأن تحذف من قوائم طلباتها أية مشروعات غير ضرورية أو تنطوي علي فاقد. وفي حين كانت لجنة البيت الأبيض تقر بيسر وسعادة مشروعات إصلاح الجسور والطرق في المناطق المزدحمة ومشروعات إقامة مدارج جديدة للمطارات فإنها كانت تتوقف أمام أية مشروعات تفوح منها رائحة الفاقد أو عدم الأهمية مهما تكن تكلفتها صغيرة "10 آلاف دولار مثلا" أو كبيرة بملايين الدولارات. ومنعت كليا علي سبيل المثال عمليات دعم رياضة الجولف بكل مكوناتها أو بناء حمامات سباحة أو ما شابه ذلك من مشروعات لا تخص إلا الصفوة. وهذا هو ما يؤكده إدوارد دي سيف أحد كبار مستشاري الرئيس أوباما لشئون الحافز الاقتصادي. وتقول مجلة "تايم" إن قواعد توزيع أموال الحافز تضمنت تخصيص 144 مليار دولار كدعم مباشر لموازنات الولاياتالمتحدة لمواصلة تنفيذ مشروعاتها القائمة مثل مشروع التأمين الصحي "ميديكيد". كما خصصت مئات المليارات من الدولارات للمردودات الضريبية ودعم الفقراء وإعانة المتعطلين. ولكن الجزء الذي تتركز عليه العيون من برنامج الإنفاق وهو في نفس الوقت الجزء الأكثر تفجرا من الناحية السياسية هو الجزء الخاص بالانفاق علي البنية الأساسية والبالغ قيمتها 152 مليار دولار. فهذا الجزء ليست له خريطة طريق واضحة في مختلف الولايات والوحدات المحلية وهو الذي يمكن أن يزخر بالفاقد وبشبهات الفساد ولذلك فإن رجال بايدين يركزون عليه معظم جهدهم في المراقبة. وهم يؤكدون عزمهم علي عدم السماح بتنفيذ أية مشروعات تتسم بعدم التعقل أو التبصر أو الاقتصاد. وربما كان أكثر ما يثير انزعاج رجال البيت الأبيض أن يتم إنفاق الأموال بكفاءة أقل مما هو منتظر أو أن يتم التمويل من بند إلي بند من دون الرجوع إلي السلطات الفيدرالية كأن يتم الإنفاق علي شق طرق جديدة بدلا من إصلاح الطرق القائمة أو ما شابه ذلك من تغييرات يمكن أن تؤثر سلبا علي قدرة المشروع علي إيجاد وظائف أو فرص عمل جديدة. وهناك من يدعو من الآن إلي التفكير في خطة تحفيز اقتصادي ومالي جديدة تخصص لدعم ميزانيات مختلف الولاياتالمتحدة التي تعاني عجزا كبيرا هي الأخري وأن يتم ذلك في العام القادم أو الذي يليه. وفكرة وضع خطة تحفيز ثانية لم يتم رفضها أو قبولها حتي الآن ولكنها موضع حوار واسع علي مستوي الولايات. وباختصار فقد أصبح إنفاق الحافز الاقتصادي هو الهم الأول حاليا لرجال البيت الأبيض حتي أن بايدين قد أمر مساعديه بالرد علي أي استفسار أو طلب من أية ولاية في غضون 24 ساعة من تسلمهم لهذا الطلب أو الاستفسار.