عندما تم تدشين الأزمة المالية العالمية إعلامياً بمصر تحديداً عند إعلان إفلاس بنك ليمان براذرز في شهر أغسطس من العام الماضي خرجت علينا التصريحات الحكومية لتؤكد أن كل شيء تمام وأن الاقتصاد المصري قوي وذهب البعض إلي اننا نمتلك بنوكاً أقوي من الأوروبية والأمريكية واقتصاداً قوياً لم يمس وكأن أزمة الرهن العقاري قد حدثت عندنا وصدرناها للعالم ولم يمسسنا شيء وتناسي المصرحون أن للأزمة تداعيات وهي نتاج للإصلاحات المالية التي تقوم وستقوم بها أمريكا وأوروبا لتخطي الأزمة.. كما أن هناك تداعيات لردود أفعال الدول الأخري الآسيوية والإفريقية والعربية لما سيطولها من التداعيات وستؤثر تلك الردود علينا أيضاً. والمهم أننا قمنا بعمل دراسات حول التأثيرات التي ستطال ميزان المدفوعات من جراء الأزمة بسرعة كبيرة وأيضاً بدقة وحرفية وتم نشرها بمختلف وسائل الإعلام حذرنا فيها من بدء ظهور التداعيات مع بداية العام الميلادي أي خلال الربع الثالث من العام المالي 2008/2009 وحددنا التداعيات السلبية، وكذا ما يمكن أن يؤدي لتداعيات إيجابية ومرت الأيام وتضاربت التصريحات بعد ذلك ما بين تشاؤم وتفاؤل حتي خفت حدة القلق لدي المواطنين وبدأنا ننشغل بأنفلونزا الخنازير ويبدو أن أمريكا وأوروبا قد بدأت في تصدير الأزمات والأوبئة للعالم أجمع لتخفيف حدة الأزمات الاقتصادية علي الدول الفقيرة بتخفيض عدد سكانها بزيادة الوفيات نتيجة لأنفلونزا الطيور والخنازير وجنون البقر والبقية تأتي. حاليا يخرج علينا بين الحين والآخر متحدث حكومي يؤكد أننا تعافينا من تداعيات الأزمة والتصريحات الحكومية تؤكد بأن كل شيء تمام. المعلومات والأرقام المعلنة متأخرة 6 أشهر كاملة فالمعلن الحالي هو الربع الثاني من العام المالي 2008/2009 أي 3 أشهر فقط بعد الأزمة بينما نحن قد أنهينا 9 أشهر منذ بداية الأزمة إعلامياً لدينا في أغسطس الماضي كما سبق وأشرنا وعلي الرغم من أن الأرقام المتاحة متأخرة 6 أشهر وتعلن فقط عما حدث للاقتصاد بعد 3 أشهر فقط من الأزمة إلا أن هذا المتاح يؤكد علي شدة التأثيرات السلبية لتداعيات الأزمة ويجعلنا نتخوف من المعالجة الحكومية لهذه التداعيات فقد حقق ميزان المدفوعات المصري عجزاً لأول مرة منذ خمس سنوات وقد بلغ العجز مليار دولار. والقراءة المتخصصة لميزان المدفوعات تؤكد أن العجز سيزداد وبشكل واضح خلال الفترة القادمة فقد زاد عجز الميزان التجاري خلال النصف الأول من العام المالي ليصل إلي 6.14 مليار دولار مقابل عجز قدره 3.11 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام السابق. الصادرات خلال الربع الثاني من العام المالي "3 أشهر فقط بعد الأزمة" انخفضت بنسبة 6.23% عن الربع الثاني من العام السابق في مقابل انخفاض طفيف بالواردات والمستقبل يحمل في طياته زيادة واتساع العجز في الميزان التجاري بانخفاض أكثر في الصادرات مع زيادة ستبدأ في الظهور بالواردات نتيجة انخفاض أسعار جميع السلع العالمية وتكالب التجار المصريين علي استيرادها وخصوصا السلع الأوروبية والأمريكية. الصادرات انخفضت من 1.7 مليار دولار في الربع الثاني من العام المالي 2007/2008 إلي 4.5 مليار دولار في الربع الثاني من العام المالي 2008/2009 والانخفاض بسبب الانخفاض الواضح في الصادرات لأمريكا وأوروبا والتي جعلتها الأزمة تعتمد علي منتجاتها المحلية وكذا بسبب الانخفاض في الصادرات للدول الآسيوية غير العربية والتي توجهت للأسواق الأوروبية والأمريكية لرخص أسعارها كما سبق وأشرنا، إيرادات السياحة انخفضت من 7.2 مليار دولار إلي 5.2 مليار دولار وهذا عن الفترة من 1/10 حتي 31/12/2008 ومن المؤكد أن الانخفاض قد ازداد مقارنة بالفترات السابقة المثيلة خصوصا بعد ظهور وتفشي أنفلونزا الخنازير والاستثمارات المباشرة انخفضت أيضاً بنسبة 2.49% وانخفاض الاستثمارات المباشرة سيزداد وبشكل واضح. فرغم حشد الاستثمارات الأمريكية والأوروبية للخطط الإصلاحية بدولها فإعلان أمريكا لسعر الفائدة صفر هو دعوة صريحة لجميع الاستثمارات أن تتوجه لها وهو ما جعل أوروبا هي الأخري تقوم بخفض أسعار الفائدة وهو ما يجعلنا نؤكد علي انخفاض متتال في الاستثمارات المباشرة القادمة لمصر وكذا زيادة في الاستثمارات المباشرة الخارجة من مصر ووضعاً في الاعتبار بأن خفض سعر الفائدة في أمريكا وأوروبا لا يرتبط بأية تأثيرات سلبية علي المواطنين فهم لا يحتاجون لفائدة ودائعهم لاستكمال معيشتهم فلديهم ما يكفيهم للعيش في رغد بدءا من معاش جيد حتي لمن يعاني البطالة وكذا رعاية صحية علي أعلي مستوي بينما في مصر يعاني الجميع من انخفاض أسعار الفائدة وهذا موضوع يجتاج لمقالة مخصصة لموضوع أسعار الفائدة. وانخفاض الاستثمارات المباشرة لمصر سيؤدي لارتفاع معدل البطالة وهو بالفعل ما حدث، فعلي الرغم من أن بيانات المركزي تشير لمعدل بطالة 8،4% خلال الربع الثاني من العام المالي 2008 /2009 أي حتي نهاية ديسمبر 2008 إلا أن إحدي الجهات الحكومية أعلنت ان معدل البطالة خلال الربع الأول من العام الميلادي الحالي أي حتي نهاية مارس الماضي قد بلغ 9،4% وهذا يؤكد ان الأرقام المتأخرة ستكشف عن تأثرنا وبشكل كبير بتداعيات الأزمة وهذا الانخفاض الكبير والمتوقع سلفا للاستثمارات المباشرة ستستعوضه الحكومة بضخ استثمارات بشكل مكثف وطبقا لما أعلنته للتحفيف من حدة البطالة وهومايعني عجزا جديدا في الموازنة العامة للدولة سيتم تمويله عن طريق الاقتراض وبنظرة سريعة علي مديونية الدولة سنجد ان الديون الخارجية عليها خطوط حمراء والدين الخارجي ثابت تقريبا ومنذ فترة طويلة حيث إن زيادته لها تأثيرات غير مطلوبة علي سيادة مصر وأمنها القومي ولولا التعليمات الحاسمة من رئيس الدولة بعدم الاقتراض من الخارج لحدث لمصر ما لا يحمد عقباه. أما الدين المحلي فحدث ولاحرج فمنذ تولي الحكومة الحالية وحتي النصف الثاني من العام المالي 2008 /2009 زاد الدين المحلي بمعدل 95% ليصبح 7.722 مليار جنيه منها 420،5 مليار جنيه حقوق صكوك وسندات حكومية والصكوك تتمثل في 198،9 مليار جنيه صكوك صندوقي التأمينات مقابل نقل بنك الاستثمار القومي إلي الخزانة علاوة علي 2 مليار جنيه أخري هي صكوك بقيمة العجز الاكتواري في صناديق التأمينات والقيمة الباقية سندات حكومية، كما أن هناك أذون خزانة بقيمة 9.205 مليار جنيه أغلبها تمتلكه بنوك القطاع العام "تمتلك 105،9 مليار جنيه" وبنوك القطاع الخاص وتمتلك 85،2 مليار جنيه بينما انسحب الأجانب من سوق الأذون الحكومية بعد فرض ضرائب علي عائدها فانخفضت قيمة ما يمتلكونه من 33،2 مليار جنيه في أغسطس 2008 إلي 6،9 مليار جنيه فقط في مارس الماضي، هذا بخلاف 2،4 مليار جنيه تسهيلات من صندوقي التأمينات الاجتماعية. بينما تشتمل موارد بنك الاستثمار القومي علي ودائع صندوق توفير البريد بقيمة 49،3 مليار جنيه وحصيلة شهادات الاستثمار تبلغ 78،3 مليار جنيه والدين المحلي في زيادة مستمرة وقيام البنك المركزي بتخفيض سعر الفائدة علي الودائع رغم معرفة مسئوليه بأن سعر الفائدة مازال سلبيا وأن التخفيض يخنق المواطن المصري ويقل معه الطلب بالسوق إلا أن هذا لا يمكن قياسه بمقدار ما يحققه الخفض من عبء خدمة هذا الدين الثقيل رغم أن الحكومة لا تبذل أي جهود ولا تقدم آية أفكار لكيفية تخفيض هذا الدين وكيفية سداده وكل ما تقوم به هو الاستدانة المستمرة وهذا في حد ذاته سيشكل خطورة شديدة علي: 1 - أموال المودعين ببنوك القطاع العام. 2 - أموال المودعين بصندوق توفير البريد وشهادات الاستثمار. 3 - جزء من أموال المودعين ببنوك القطاع الخاص والفروع الأجنبية. 4 - أموال صندوقي التأمينات الاجتماعية العام والخاص. والحلول أمام الحكومة ميسرة ولكن نرجسية بعض الوزراء ورغبتهم العارمة في الظهور ستظل حجر عثرة في سبيل الاستفادة من أفكار من هم خارج دائرة صنع القرار الاقتصادي كما أن للمصالح دوراً في عدم تنفيذ بعض الأفكار التي يمكن لها تخفيض الدين المحلي واستعواض انخفاض الاستثمارات الأجنبية وأهم الحلول التي يمكن أن تؤدي لنتائج ايجابية سريعة هي فرض ضرائب تصاعدية علي الدخل فمن غير المعقول وفي ظل هذه الظروف الصعبة أن يسدد من يكسب المليارات ضرائب نسبتها تتساوي مع الموظف الحكومي والذي أجازت له الفتاوي الحصول علي الزكاة لما يلاقيه من شظف العيش وعدم القدرة علي الحياة الكريمة، كما أن قيام الحكومة بمنح مميزات لمشروعات تقيمها البنوك من السيولة المتوافرة لديها بعد تعديل قانون البنوك بما يسمح لها بذلك وللحكومة حصة من الأرباح بما ستقدمه من مميزات وهي عموما تعطيها مجانا لرجال الأعمال والذين لم نر منهم سوي اكتناز الثروة علي حساب البسطاء. ويكفي أن الأسعار العالمية للسلع قد انخفضت وبدرجة كبيرة وبكل دول العالم ولم نشعر بهذا الانخفاض لجشع أصحاب الثروة وهذا موضوع آخر، الأفكار كثيرة ولكن من يري الحقيقة أولا ثم يقدم الفكر الجيد والقابل للتطبيق والتنفيذ مع تحقيق النتائج السريعة في ظل نرجسية البعض وجهل البعض وانشغال البعض بجمع ما يمكن جمعه من مميزات واستثناءات قبل ترك الكرسي وقد أوهمهم بعض أصحاب المصالح من الإعلاميين بامكانية اخفاء الحقائق واظهار ما يرغبون في ظهوره حتي ولو كان علي خلاف الحقيقة إلا أن الحقيقة دائما واضحة وظاهرة كالشمس فهل هناك من يستطيع أن يطفئ الشمس؟!