ربما تشهد الولاياتالمتحدة هذا الصيف بداية أكبر تحول في سياسة النقل والمواصلات منذ خمسينيات القرن العشرين، فالحافز الاقتصادي الذي تقرر في فبراير الماضي خصص 48 مليار دولار لقطاع النقل والمواصلات وهو مبلغ صغير نسبيا. ولكن جيمس أوبرستار رئيس لجنة النقل والبنية الأساسية في مجلس النواب الأمريكي تقدم منذ أيام بقانون ميزانية جديدة للنقل والمواصلات.. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن القانون القديم سوف ينتهي العمل به في نهاية سبتمبر القادم ليبدأ العمل بالقانون الجديد الذي يخصص 500 مليار دولار للإنفاق علي قطاع النقل والمواصلات خلال السنوات الستة القادمة، والأهم من ذلك أن هذه الأموال سيتم انفاقها بشكل مختلف هذه المرة لأن العالم يتغير ولابد أن تتغير أمريكا هي أيضا. ومشكلة هذه الخطة الجريئة للانفاق علي قطاع النقل والمواصلات أنها ستتكلف كل هذا المبلغ 500 مليار دولار، ومعروف أن صندوق الاستثمار في الطرق السريعة يسهم في تمويل خطة النقل الأمريكية وأنه سيكشف عن خططه في هذا الشأن آخر أغسطس القادم، ولذلك أعلن راي لحود وزير النقل والمواصلات الأمريكي يوم 17 يونية عن رغبته في تأجيل مناقشة قانون الميزانية الجديدة للقطاع لبعض الوقت. والحقيقة أن سياسة النقل والمواصلات الأمريكية الراهنة يصعب الدفاع عنها وذلك لأن الاختناقات المرورية تكبد أمريكا خسائر سنوية تناهز قيمتها 78 مليار دولار من ساعات العمل الضائعة والوقود الإضافي.. وتقوم استراتيجية واشنطن الرئيسية في مجال النقل والمواصلات علي فكرة ألا تكون استراتيجية واحدة، فوزارة النقل والمواصلات تدير 108 برامج مختلفة ولكن لا يوجد نظام تخطيط شامل يتضمن السفر بالسكك الحديدية والشحن والطرق السريعة ووسائل النقل الجماعي في حزمة واحدة. كما أنه من النادر أن يتم إجراء تحليل للمشروعات من حيث التكاليف والفوائد، ويعترف روبرت بيونتيز الخبير في معهد بروكنجز بأن الدعم الفيدرالي لإنفاق الولايات علي النقل والمواصلات يكاد يكون معدوما، ورغم أن أكبر 100 منطقة مأهولة في الولاياتالمتحدة تمثل 75% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي فإن ميزانية النقل والمواصلات لم تركز قط في الإنفاق عليها. وهذا هو نفس الشيء الذي ستفعله خطة الحافز الاقتصادي التي تريد إيجاد وظائف بسرعة. ومع ذلك يمكن القول بأن تذبذب أسعار البترول والزحام المروري وتغيرات المناخ وتداعي البنية الأساسية وشيخوختها قد تجمعت كلها لكي تغير آراء الناس وتضغط في اتجاه إيجاد استراتيجية لقطاع النقل والمواصلات ويبدو أنه ستكون هناك بالفعل استراتيجية لهذا القطاع في الولاياتالمتحدة فأوبرستار يريد انفاق 450 مليار دولار علي الطرق والكباري ووسائل النقل الجماعي بزيادة 38% علي مستويات الإنفاق الحالية، وذلك علي أن يخصص ال50 مليار دولار الباقية للقطارات عالية السرعة وستقوم الحكومة الفيدرالية لأول مرة بوضع أهداف واضحة ومحددة يتعين تحقيقها مثل خفض الانبعاثات الكربونية من قطاع النقل ودفع الولاياتالأمريكية المختلفة إلي تحقيق هذه الأهداف، كذلك سيتم ترشيد ال108 برامج الإنفاق وستوضع نظم وخطط جديدة لخفض الزحام في المناطق السكنية وفي شبكات شحن البضائع، وستتم متابعة المشروعات الجديدة بهدف القضاء علي التأخيرات، كما سيقوم بنك قومي للبنية الأساسية بضخ مزيد من الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي. ولكن مجلة "الايكونوميست" تقول إن هذه الخطط الطموح قد تتأجل لأن الوزير لحود يريد مد قانون الميزانية القديمة لمدة 18 شهرا أخري. والغريب أن هناك من يري إمكانية حدوث تقدم في قطاع النقل والمواصلات الأمريكي حتي تم هذا المد.. ومن هؤلاء جيمس كورليس رئيس المجموعة الإصلاحية المعروفة ترانسبورتيشان فور أمريكا ووزير النقل الأمريكي يقول إنه حتي في ظل المد سيرسل مزيدا من الأموال إلي المناطق السكنية ويرشد الاستثمارات القائمة في هذا القطاع، كذلك فإن وزارة النقل الأمريكية أصبحت تشجع العمران وبناء المساكن بالقرب من وسائل النقل بمختلف أنواعها من الاتوبيسات إلي شبكات مترو الأنفاق، كما تشجع استخدام الدراجات لتقليل الانبعاثات الكربونية في خضم هذه الخطة. بقي أن نقول إن الحاجة ماسة إلي رؤية جديدة لقطاع النقل والمواصلات الأمريكي ولكن هذه الرؤية لابد أن يكون واضحا إنها لن تنجح إلا إذا وجدت من هو مستعد لتمويلها.