أشار بنك الكويت الوطني إلي أن التدهور الحاد الذي شهده الاقتصاد العالمي منذ الربع الأخير من العام 2008 بدأ بالتأثير سلبا علي قيمة وحجم التجارة الخارجية لدول الخليج، حيث من المتوقع أن تعاني الصادرات في العام الحالي جراء الهبوط الحاد في أسعار النفط، في حين ستشهد الواردات أداء ضعيفاً، متأثرة بانكماش النشاط الاقتصادي وانخفاض الطلب المحلي في دول الخليج. ورأي البنك في نشرته الاقتصادية الأخيرة أنه نظراً للدور الكبير الذي يلعبه قطاع النفط في اقتصادات دول الخليج، فيتوقع أن ينعكس الحاد والسريع الذي شهدته أسعار النفط من مستوياتها القياسية في العام الماضي سلبا علي مجمل النشاط الاقتصادي لدول المنطقة خلال العام الحالي، وخاصة في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي وميزانيات الحكومات ومعدلات البطالة والنمو السكاني. لذلك يبقي الاعتماد الكبير علي النفط وتبذبذب أداء الاقتصادات الخليجية تبعا لتقلبات أسعار النفط أحد أبرز نقاط الضعف المزمنة وأحد أهم التحديات التي تواجه الاقتصادات الخليجية، الأمر الذي يفسر الحاجة الملحة لتنويع مصادر الدخل. ولاحظ البنك في تقريره أن أسعار النفط قد سجلت مكاسب جوهرية خلال الأشهر الأخيرة، متأثرة بعوامل مختلفة تراوحت ما بين ارتفاع درجة التوازن في أسواق النفط إلي الضعف المتوقع في سعر صرف الدولار. فعلي سبيل المثال، ارتفع سعر برميل الخام الكويتي خلال الشهر المنتهي في 12 يونيو الجاري بواقع 26% إلي 70.4 دولار لكن علي الرغم من هذا الارتفاع الملحوظ، فإن ذلك لا يعني أن الثقة ستعود قريبا إلي الأسواق أو أن المسار الذي ستسلكه أسعار النفط مستقبلا بات أكثر وضوحا، فصادرات النفط والبتروكيماويات تعتمد بشكل كبير علي واقع وتطلعات الاقتصاد العالمي. إلا أن البيئة الاقتصادية العالمية في الوقت الراهن لا تبدو مساندة لتعاف جوهري في الصادرات الخليجية فوفقاً لتقديراته الأخيرة، يتوقع صندوق النقد الدولي علي سبيل المثال أن ينكمش الاقتصاد العالمي في العام الحالي بواقع 1.3% قبل أن يتعافي قليلا في العام المقبل. كذلك الحال، تتوقع منظمة التجارة العالمية أن يتراجع حجم الصادرات العالمية في العام الحالي بواقع 9% في حين تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينخفض الطلب العالمي علي النفط خلال العام الحالي بنحو 3%. وتشير تقديرات البنك الكويتي إلي أن صادرات دول الخليج قد تتراجع في العام الحالي بنحو 40%، حيث من المتوقع أن تشهد جميع دول الخليج، باستثناء قطر، تراجعاً في إيراداتها من الصادرات هذا العام وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن بنك الكويت المركزي إلي أن كلا من الصادرات النفطية وغير النفطية قد تراجعت في الربع الأول من العام الحالي بواقع 56% و7% علي التوالي، وذلك مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. وفي السعودية تراجعت الصادرات غير النفطية خلال الفترة نفسها بنحو 21% علي أساس سنوي. ورأي بنك الكويت الوطني أن انتهاء الطفرة النفطية الأخيرة قد أدي إلي تصحيحات حادة في الاقتصادات الخليجية وعلي جميع الأصعدة تقريبا. وقد يكون في مقدمة التداعيات السلبية للأزمة الحالية الانكماش المتوقع في النشاط الاقتصادي لدول الخليج وتدهور ثقة القطاع الخاص. ونتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الخليجي بالأسعار الجارية في العام الحالي بواقع 20% وذلك في أعقاب نموه في العام الماضي والمقدر بنحو 28%. أما بالأسعار الثابتة، فيتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الخليجي خلال العام الحالي بواقع 6.2%، بعدما كان قد سجل نموا في العام الماضي بواقع 7%. كذلك، يتوقع أن يشهد فائض الحساب الجاري لدول الخليج انخفاضا حادا في العام الحالي، مع تسجيله فائضا بحدود 15 مليار دولار فقط (2% من الناتج المحلي الإجمالي)، مقارنة مع فائض بلغ 209 مليار دولار (28% من الناتج المحلي الإجمالي) في العام السابق. ونتيجة لذلك، لا يتوقع أن تتمكن دول الخليج خلال العام الحالي من تعزيز موجوداتها الأجنبية بالوتيرة نفسها التي سادت السنوات السابقة. كما نتوقع أن تسجل ميزانيات الحكومات الخليجية عجزا بحدود 20 مليار دولار (7.2% من الناتج المحلي الإجمالي)، بعدما كانت قد حققت فائضا في العام الماضي يقدر بحوالي 220 مليار دولار. كذلك الحال، يتوقع أن يشهد معدل النمو السكاني والتوظيف تباطؤا خلال العام الحالي، إلي جانب ضعف الطلب المحلي والخارجي ونشاط البنوك وربحيتها وحجم ثروات القطاع الخاص من مستوياتها القياسية للعام السابق. لكن بمقدور الدول الخليجية أن تواجه الصدمة وسواء واصلت أسعار النفط مسيرة ارتفاعها الحالية أو اتجهت نحو الانخفاض، فرأي الوطني أن ذلك يجب ألا يكون بؤرة الاهتمام الأولي لدول الخليج، وذلك لأربعة أسباب رئيسية، زولها أن بمقدور دول الخليج أن تواجه بسهولة تداعيات الأزمة الحالية عبر استغلال الحجم الهائل من الموجودات الأجنبية التي تمكنت من جمعها خلال السنوات السابقة. فالدول الخليجية استطاعت أن تحقق فوائض ضخمة في حساباتها الجارية وميزانياتها خلال السنوات الأخيرة بلغت نحو تريليون دولار و600 مليار دولار علي التوالي في الفترة الممتدة بين عامي 2003 و2008. أما السبب الثاني والأهم، فيتمثل في أن الإنجازات الاقتصادية التي حققتها الدول الخليجية خلال السنوات الأخيرة تتجاوز بشكل ملحوظ متوسطها التاريخي الاعتيادي وذلك تبعا لجميع المؤشرات الاقتصادية الرئيسية. فعلي سبيل المثال، فإن حجم الناتج المحلي الإجمالي المتوقع العام الحالي لا يزال يتجاوز مستواه المسجل في 2007. كذلك، يتوقع أن يتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الخليجية في العام الحالي دون مستواه للعام الماضي بنحو 20%، ليبلغ 21700 دولار. وعلي الرغم من هذا التراجع الحاد، يبقي أدني قليلا من مستواه في ،2007 وأعلي من مستواه في 2004 بنحو 50%.