هل جاء الوقت الذي تعترف فيه البنوك المركزية علي مستوي العالم بأن حدوث موجة مفاجئة من التضخم من شأنه أن يكون مفيداً في تخفيف حدة الديون التي يعيشها العالم اليوم؟ طرحت تلك القضية صحيفة ال"فاينانشيال تايمز" البريطانية التي أثارت جدلاً واضحا بين خبراء الاقتصاد والمصارف، حيث وافق البعض في حين رفض آخرون. يقول المعارضون إن التضخم ليس الطريقة العادلة التي تسجل جميع الديون علي نحو فعال، لأن تضخم الأسعار يؤدي إلي إجبار الدائنين علي قبول السداد بعملة مخفضة القيمة، ولكن توجد طرق جمة لإصلاح أمراض النظام المالي دون اللجوء إلي التضخم مثل ضخ رأس المال في البنوك وتقديم المساعدات لحملة صكوك الرهن العقاري وخطط الحفز المالي التي تنتهجها إدارة أوباما والكونجرس حيث يعملان علي تقوية بنية الحافز المالي اللازم لتنشيط اقتصاد الولاياتالمتحدةالأمريكية. وعلي النقيض أشار المؤيدون إلي أن حدوث بعض من التضخم في الوقت الحالي ولتكن نسبته "6%" لمدة عامين لن يكون كافياً لتصحيح أسباب الخلل ولكن قد يحد من المشاكل بدرجة كبيرة، وأضافوا أنه لا أحد يريد أن يعيش من جديد حروب التضخم التي دارت أثناء ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين والآن يتأرجح اقتصاد العالم علي حافة الانهيار ونحن الآن نشهد ركوداً عالمياً كاملاً. وعن خطط الحفز المالي قال المؤيدون إن هذه الخطط تؤدي إلي عجز ميزانية الدولة حيث إن الخطط التي تنتهجها أمريكا من المتوقع أن يتجاوز العجز المالي في أمريكا هذا العام "15%" من الناتج المحلي الإجمالي جراء تلك الخطط. وتعمل خطط الحفز المالي أيضاً علي إجبار الحكومة للاقتراض لتمويل عجز الموازنة، الأمر الذي يؤدي إلي إعاقة استثمارات القطاع الخاص، فضلاً عن أن العجز في الميزانية يؤدي إلي زيادة الدين الحكومي وهو ما يقود إلي زيادة الضرائب في المستقبل لسداد فوائد الديون وارتفاع معدلات الضرائب الناتج عن ذلك يؤدي إلي تشويه الحوافز الاقتصادية وبالتالي إضعاف أداء الاقتصاد مستقبلاً. وعن ضخ رأس المال قال المؤيدون ماذا فعل ضخ رأس المال من قبل الحكومات منذ بداية الأزمة المالية العالمية فكل محاولات ضخ الأموال لم تصلح، وأكد ذلك "بيل جروس" صاحب "بيمكو" أكبر شركة في العالم لإدارة صناديق السندات. وينهي الخبراء حديثهم قائلين: بغض النظر عن خطط الحفز المالي التي تسعي لها إدارة أوباما فإنه يتعين علي الحكومات في مختلف أنحاء العالم العمل علي إصلاح أسواق الائتمان التي تعاني من خلل وظيفي واضح وإلا فإن الائتمان لن يتدفق ولن يشرع حتي في النمو، وأشاروا إلي أن تنشيط أسواق الائتمان في أمريكا يستغرق وقتاً طويلاً بسبب التخلف عن سداد قروض الرهن العقاري والذي نتج عن انخفاض قيمة العقارات في أمريكا. وعن "الانكماش" أكدت الصحيفة البريطانية أن الانكماش الحالي نتج عن انهيار القطاع المالي وبالتالي فإن التعامل معه أصعب من التضخم ويرجع هذا إلي عدم إمكانية تخفيض أسعار الفائدة إلي الصفر فكلما اقتربت أسعار الفائدة من الصفر أصبحت السياسة النقدية أكثر تعقيداً وبالتالي تتوقف الأدوات السياسية والنقدية عن العمل. وتحتفظ البنوك المركزية بميزانيات قابلة للتوسع ولكن في ظل الانكماش فإن الأسعار تستمر في الهبوط وهناك سبب آخر يؤدي إلي صعوبة التعامل مع الانكماش في الوقت الحالي وهو عدم تحرك الأسعار جميعها نحو الهبوط وخاصة الديون فهي لا تغري لأنها ثابتة عند قيمتها الاسمية.