بينما يتمزق الاقتصاد العالمي وينهار الطلب علي السلع الاستهلاكية وعلي الشركات التي تصنع هذه السلع وتحولها فإن قطاع الزراعة لايزال قادرا علي العمل بشكل جيد، صحيح ان أسعار الحبوب واللحوم قد هبطت عن الذري التي كانت قد وصلت إليها في منتصف عام 2008 ولكنها لا تزال اعلي بنسبة 30 - 50% عن متوسطات أسعارها خلال السنوات العشر السابقة، وتقول مجلة "الايكونوميست" ان هناك من الاسباب ما يجعلنا نؤمن بأن ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية واللحوم ليس مجرد فقاعة من تلك الفقاعات التي شهدناها تتضخم وتنفجر في الفترة الاخيرة. وطبيعي انه من الصعب ان يلقي ارتفاع الاسعار ترحيبا عالميا فارتفاعها يحقق مصالح الفلاحين الذين يقع كثيرون منهم داخل دائرة الفقر ولكنه بالقطع ضد مصلحة المستهلكين ويمكن ان نعزو بعض هذا الارتفاع في الأسعار الي استخدام بعض المحاصيل الغذائية في انتاج الوقود عبر عملية دعم غير رشيدة بالمرة ولكن ارتفاع الاسعار من ناحية اخري يمثل ظاهرة تقدم حيث ان السبب الرئيسي وراء ذلك هو الزيادة المطردة في الطلب من جانب الدول الأكثر فقراً التي اصبحت شعوبها تستهلك كميات اكبر من الطعام وخاصة البروتين لقد زاد عدد البشر الذين يحصلون علي غذاء مناسب يشمل الحبوب واللحوم والألبان. وقد كان للصين دور عميق في هذه الظاهرة يعكس ليس فقط تقدمها الاقتصادي الهائل وانما ايضا ضخامة تعدادها السكاني ويقول كارلو كاياتي خبير شركة استشارات الاستثمار كاياتي آند كومباني ومقرها ملبورن ان استهلاك اللبن هناك في السنوات العشر الاخيرة زاد بنسبة 700% وزيت الزيتون 600% وان الصين صارت تستهلك ضعف ما كانت تستهلكه من زيوت الخضراوات خلال نفس الفترة وزاد استهلاكها من الدواجن 60% واستهلاكها من اللحم 30% ومن القمح 25% خلال ذات الفترة كما زاد الاستهلاك الصيني من النبيذ 400% وهذه ليست سوي عينة لما حدث من زيادات شملت كل أنواع الاغذية والمشروبات. ورغم كل هذا النمو فإن متوسط استهلاك الصينيين من اللبن واللحوم لا يمثل سوي ثلث استهلاك شعوب البلدان الغنية مثل استراليا وبريطانيا والولايات المتحدة لهذين النوعين من الغذاء. ورغم ان الهند تنمو هي الاخري بسرعة فإن الفجوة بينها وبين البلدان الغنية في هذا المجال لا تزال أكبر. وقد لا يزيد اجمالي استهلاك البروتين في أوروبا وأمريكا كثيرا خلال السنوات القادمة ولكن تضافر الزيادة في الدخول مع الزيادة في عدد السكان في البلدان النامية سيؤدي إلي زيادة سنوية في الطلب العالمي علي البروتين تناهز 5% خلال السنوات القادمة، ويقول كاياتي ان الشعوب اذا اعتادت أكل البروتين ضمن وجباتها فإنها لا تستغني عنه ابداً بعد ذلك. والحقيقة ان زيادة المعروض بنفس نسبة زيادة الطلب سيكون مسألة صعبة لأن مساحة الأرض المزروعة في العالم لا تزيد إلا بنسبة اقل من 1% سنويا، وفي الصين والهند تحولت اكثر الاراضي خصوبة إلي طرق ومناطق صناعية وهذا يعني ان ما تبقي من ارض ستزيد قيمته ويجب ايضا ان تزيد انتاجيته، ويتداعي من ذلك بالطبع نتائج تمس بعض الصناعات المرتبطة بالزراعة مثل صناعة الكيماويات الزراعية. CF اند استريز، واجريوم، وبونج، وسينجنتا شهدت ارتفاعا كبيرة في العام الماضي متزامنة مع الارتفاع في أسعار الطعام ورغم ان تقلبات البورصات قد أدت إلي انخفاض نسبي في أسعار اسهم تلك الشركات الا انها سرعان ما استقرت رغم استمرار البورصات في الهبوط، وعلي نفس المنوال فإن شركة فونسانتو التي تنتج منذ عشر سنوات أجود انواع البذور المعالجة جينيا قد زادت شعبيتها بنفس السبب وبعد سنوات من النمو القوي وصل سعر سهم هذه الشركة إلي 20 ضعف مكاسبه وهو ضعف المعدل العام للبورصة ولا يزال هناك متسع لتحقيق المزيد من النجاح. وقد انعكست هذه الحركة ايضا في صورة موجة من الاستحواذات والاندماجات في القطاع الزراعي ففي يوم 13 مارس علي سبيل المثال اعلنت شركة التخارج البريطانية تيرا فايرما عزمها شراء90% من شركة كونسوليديتد باستورال وهي من كبريات شركات تربية الماشية في استراليا وتعمل في نحو 12 مليون فدان من الأرض الزراعية، وقبلها في فبراير الماضي حصلت شركة نوفارم الاسترالية للكيماويات الزراعية علي تصديق يقر صفقتها لشراء شركة AH .