تعتبر تجارة البشر آفة تهدد المجتمعات بما تمثله من انتهاكات وتحرش واستغلال، حيث يتم تجريد الضحية من الصفات الانسانية وتحويلها إلي مجرد بضاعة من جهة العرض بغرض الاستغلال. أكدالخبراء عدم وجود احصائيات دقيقة عن حجم هذه التجارة المحرمة دوليا في مصر.. علي الرغم من انتشارها في عدة اشكال وصور متباينة للرق المعاصر.. صور لهذه التجارة البشعة تجسدت مؤخرا في ظاهرة بيع الاطفال للأجانب وزواج القاصرات من العرب وبيع الاعضاء البشرية وهجرة الشباب.. والطريق مازال طويلا لمواجهة هذا الطاعون وان كانت المؤشرات الأولي تفيد بإمكانية السيطرة عليها. د. سوسن عثمان - عضو لجنة المحافظات بالمجلس القومي للمرأة ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لتدعيم الأسرة - توضح ان مفهوم الاتجار بالبشر لم يعد مقصورا علي استغلال النساء والاطفال في البغاء تفيد بسب ضعفهم السني عن البالغين، وإنما اصبحت المتاجرة بالبشر تشمل أنواعا أخري لا تقل بشاعة تعمد إلي ستغلال الضحية من أجل تحقيق الارباح ومنها علي سبيل المثال زواج القاصرات من كبار السن من العرب خاصة في الريف المصري بدعوي عدم تعرضهن للعنوسة، او ظاهرة بيع الاطفال المصريين للأجانب بغرض التبني او حتي استغلال اعضائهم "كقطع غيار"، مشيرة إلي ان ثمة علاقة وثيقة بين العمالة القسرية للطفل والاتجار بالبشر في مفهومه المعاصر، مشيرة إلي ان معظم المنظمات الدولية والقوانين المحلية أجازت قانون ممارسة الاطفال أعمالا خفيفة بمقابل مادي، إلا أن معظمهم يقع في شرك العمل المقيد والعمل القسري الذي يعد من أسوأ اشكال تشغيل الطفل، حيث يخضع في الغالب للاسترقاق اللاإرادي ومن ثم يسهل استغلاله جنسيا. تجارة الاعضاء البشرية تعد جانبا آخر من جوانب الاتجار بالبشر، لافتة إلي انتشار هذه الظاهرة في الفترة الأخيرة بشكل غير مشروع وغير مقنن، الأمر الذي أدي إلي ضرورة استصدار قانون ينظم عملية نقل وزراعة الاعضاء البشرية. وتري د. سوسن عثمان ان ظاهرة الهجرة غير الشرعية هي إحدي أخطر صورة الاتجار بالبشر، حيث تتم المتاجرة باحلام الشباب الباحث عن فرص عمل وظروف معيشية أفضل بغرض تحقيق طموح وهمي كاذب، موضحة ان هذه التجارة غير المشروعة غالبا ما يديرها مجموعة من الوسطاء المستغلين في اطراف مختلفة من العالم ويعملون ضمن خطة منظمة للمتاجرة بالشباب وبيع الوهم لهم مقابل الحصول علي فوائد مالية. وتفسر د.سوسن أسباب انتشار هذه التجارة بصورها المختلفة بأن الاتجار بالبشر يدر ارباحا وفيرة ومخاطر المقاضاة الجنائية فيه ضئيلة لا تضاهي بأي حال من الاحوال عقوبات تجارتي المخدرات والسلاح، بخلاف وجود عدة أسباب أخري علي رأسها الفقر والبطالة والفساد والأمية والتفكك الأسري، موضحة ان الوعي بخطورة هذه الظاهرة وتأثيرها المباشر علي التنمية المجتمعية يتطلب اعادة النظر من جانب صناع القرار لدراسة مفهوم الاسرة المصرية ومحاولة اصلاح العطب الذي أصبح ينتهك ببنيانها الأخلاقي والانساني، ومواجهة المفاهيم الخاطئة التي فتكت بعقول أفراد مجتمعنا إلي الحد الذي أصبحت فيه نسبة الزيجات التي تتم عبر القنوات الشرعية لا تزيد علي 40%. وتؤكد د.حنان يوسف - مقرر لجنة المرأة بمنظمة العمل العربية والرئيس التنفيذي للمنظمة العربية للتعاون الدولي انه من الملاحظ انتشار ظاهرة المتاجرة بالجنس والعمل المقيد للنساء والاطفال بين الطبقات المهمشة داخل مجتمعنا، فالمعروف انه كلما ازداد الفقر المدقع في المجتمعات ازدادت نسبة الجريمة ضد الانسانية. مادام اكتمل ثالوث هذه الظاهرة الاجرامية من فقر وبطالة وجهل، اصبح مفهوم الاستغلال بغرض التربح أمرا مفروغا منه. وتوضح د. حنان يوسف انه من الصعب تقدير حجم هذه التجارة غير المشروعة داخل المجتمع المصري فشأنها في ذلك شأن معظم المشاكل الاجتماعية التي طرأت علي مجتمعنا والتي لا يمكن حصر عدد الجرائم المرتكبة فيها او معرفة "الرقم الأسود" لها، وتكشف د. حنان ان أحدث الاحصائيات تشير إلي حجم العشوائيات في مصر يقارب ال1221 منطقة موزعة علي مستوي الجمهورية ويقطنها ما بين 12 و17 مليون نسمة، وهذا يجعلنا ندرك الحجم المتوقع لهذه الظاهرة، متوقعة ان تزداد وطأة هذه المشكلة مع بروز الأزمة المالية العالمية التي شكلت منحنيا بالغ الخطورة في اقتصادات الدول والافراد وهو الأمر الذي يدعونا إلي ضرورة تبني استراتيجية تعمد إلي وضع خطة عامة تشمل إسهام القطاع الخاص في القيام بدوره المجتمعي لتخفيف وطأة هذه الظاهرة وذلك عن طريق توفير المزيد من فرص العمل للشباب و عدم تسريح عمالة جديدة بدعوي التعرض لأزمات مالية، كما يتعين توفير مساكن آدمية للعمال، خاصة أنه من المعروف أن انتشار ظاهرة الاتجار بالبشر تقوض محاولات التنمية وتؤثر علي النمو الاقتصادي داخل أي دولة.