كانت هناك بوادر انفراجة تكاد تظهر للنور وهي "التهدئة" تطرق الأبواب التي اغلقتها اسرائيل قبل ان تبدأ حين اعلن ايهود اولمرت رئيس الوزراء المنصرف بشكل مفاجئ ربط التهدئة باطلاق سراح الجندي الاسير لدي حماس جلعاد شاليط وصادقت علي القرار الحكومة الامنية المصغرة في اسرائيل بالاجماع. الازمة التي اختلقها اولمرت جاءت من جانبه قبيل تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة بقيادة بنامين نتنياهو المعروف بالتطرف والتشدد في مواقفه وربما أراد اولمرت من هذا القرار أن يخرج من رئاسة الحكومة بعمل يحسب له خاصة بعد الحرب الشرسة التي خاضها جيش الاحتلال ضد قطاع غزة دون ان تحقق اهدافها كاملة باستمرار انطلاق الصواريخ المقاومة الفلسطينية علي جنوب اسرائيل والتي كانت أحد أهم اسباب الحرب علي غزة. لقد أراد اولمرت ان يحقق انجازا سياسيا باطلاق شاليط كنتيجة مباشرة للحرب تجعل فيه قائداً حقق مبتغاه لارضاء الشارع الاسرائيلي وساق اولمرت مبررات لم تنطل علي أحد - يأتي علي رأسها عاموس جلعاد - رئيس الدائرة السياسية الأمنية في وزارة الدفاع - والتي هدرها بانتظار اسرائيل اشهرا طويلة خلال التهدئة والتي لم تساعد علي اطلاق سراح شاليط بل ان حماس ازدادت صلابة في موقفها وجمدت المفاوضات حوله، ثم خاضت اسرائيل الحرب وقيل إن التهدئة بعد الحرب ستجعل حماس أكثر مرونة في موضوع شاليط وهذا أيضا لم يحدث. وبحسب المصادر الاسرائيلية فإن اولمرت ربما ندم علي موافقته للتهدئة بالشروط السالفة ويريد التراجع، معتقدا أن حماس تعيش في ظروف ضاغطة وهذا هو في نظره الوقت الملائم لممارسة المزيد من الضغط عليها لرفع ثمن التهدئة معها، وربما لا يريد التهدئة معها من الأصل، كما أنه يخشي من انفجار مظاهرات عنيفة ضده في حالة قبوله اطلاق سراح 450 أسيراً فلسطينياً ممن تصفهم إسرائيل الملطخة ايديهم بالدماء لقاء اطلاق سراح جلعاد شاليط. لكن يبقي الأمر الأكثر وضوحاً في تراجع أولمرت هو احراج الوساطة المصرية والاساءة، لها فيما يبدو في هذا التراجع عدم الاكتراث بشأن الوساطة المصرية او احترام قواعدها من الجانب الإسرائيلي.. اعتبرت مصر الموقف الإسرائيلي خطوة خطيرة علي جهود التهدئة التي ستصل بالعملية برمتها إلي نقطة الصفر، ومراوغة اسرائيلية الهدف منها الحصول علي ما تريد اسرائيل من دون أن نعطي أي تنازلات. بلاشك فإن تعثر مسار التهدئة القي بظلاله علي المناخ العام لاجراء الحوار الوطني الفلسطيني برعاية مصرية كانت مقررة في الثاني والعشرين من الشهر الجاري خاصة وان مصر كانت متمسكة بمراحل آلية المبادرة المصرية أي التهدئة ثم الحوار ثم المصالحة ومن ثم اعادة اعمار غزة. لكن أجواء المصالحة الفلسطينية والدخول في حوار من أجلها مازال بعيداً، فحماس التي تشترط لخروج معتقليها من سجون السلطة الفلسطينية تنفي بشكل قاطع ان تكون السلطة قد اطلقت سراح أي من كوادرها كما قالت في وقت سابق، واعتبرت حماس ان الجلوس علي طاولة الحوار لا يمكن أن يتم وهناك سجين واحد معتقل في السلطة، رغم أن الحوار الفلسطيني - الفلسطيني مقرراً له الانطلاق غداً، ويبدو أن حركة حماس قد أبلغت مصر بأنها لا تفضل الذهاب إلي جلسات الحوار الفلسطيني قبل ان تعطي مزيداً من الوقت للالتقاء مع حركة فتح من أجل انهاء ملف المعتقلين السياسيين، وتركت الباب مفتوحا معتبرة أن لدي السلطة الفلسطينية وحركة فتح فرصة اخري لإطلاق سراح المعتقلين قبل الموعد الجديد لانطلاق جلسات الحوار. واذا كانت الشكوك في انجاز الحوار المرتقب في القاهرة مازالت قائمة، ولم تحسم بعد فإن اسرائيل من جانبها تراهن علي الوصول إلي صفقة شائكة بخصوص التهدئة وتبادل الأسري قبل ان يتسلم زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو فعليا مقاليد الحكم في اسرائيل، فالحكومة الاسرائيلية الحالية تراهن علي أن حماس ستكون حريصة علي حل هاتين القضيتين قبل وصول نتنياهو باعتباره الأكثر تشدداً معها، كما ان اولمرت يريد انهاء حياته السياسية في اسرائيل بطريقة مشرفة عبر انجازه اعادة الجندي الاسير في غزة إلي منزله. وبلاشك أن الوحدة الفلسطينية اصبحت مطلباً أكثر الحاحاً الآن من أي وقت مضي بعد صعود نتنياهو مرة أخري لاعتلاء عرش الحكم في اسرائيل، وهو المعروف بتجربته السابقة في الحكم عام ،1996 والتي أفشلت جهود السلام المبذولة وتراجعت إلي الوراء في عهده، وهذه الحكومة أيضا لن تكون أقل تشدداً من حيث اجهاض أي سبل لاحراز تقدم في المفاوضات خاصة وان نتنياهو في أول تصريح له بعد تكليفه بتشكيل الحكومة لم يأت علي ذكر أي شيء يتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين وعلي عملية السلام بل حدد اولوياته التي يأتي علي رأسها الملف الايراني وتجاهل تماما أي اشارة إلي الموضوع الفلسطيني وكأنه يبعث باشارات واضحة بأن مفاوضات السلام ليست في وارد جدول أعمال حكومته من قريب أو بعيد وفي ضوء هذه المتغيرات السياسية الخطيرة فان علي القيادات الفلسطينية الالتفاف كثيرا إلي الوضع الداخلي واعتبارهم بأن تكليف زعيم الليكود نتنياهو تشكيل الحكومة الاسرائيلية المقبلة يعزز فرص استعادة الوحدة الوطنية وانهاء حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي هو أمر غير كاف، وانما لابد من تعزيز ذلك بالموافقة علي الجلوس إلي مائدة الحوار دون شروط مسبقة حتي لكل الفصائل بجميع اطيافها السياسية إلي الغاية المرجوة من الحوار وهي الوحدة الوطنية وانهاء حالة الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة علي مواجهة التحديات والمستجدات علي ساحة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي!!