ظاهرة خطيرة باتت في الانتشار وبسرعة "البرق" تتثمل في شركات توظيف الأموال التي عادت لتطل برأسها من جديد في السوق المصرية وأكد الخبراء أن هذه الظاهرة خطيرة لها تأثيرات سلبية كبيرة علي الاقتصاد المصري قائلين أن ارتفاع أسعار المعادن والظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات التضخم فضلا عن ركود سوق العقارات كانت ومازالت الأسباب الرئيسية وراء ظهور هذه الشركات التي تداعب حلم الملايين في تحقيق ربحية لاتحققها الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة بالنسبة لأصحاب رءوس الأموال الصغيرة والمتوسطة وبعد الانتهاء من مسلسل شركات التوظيف في عقد الثمانينيات التي أصبحت أسماؤها معروفة لدي الجميع من كثرة تكرار الحديث عنها وقتها شركات الريان والسعد والشريف وبدر وغيرها شهدت الأعوام الماضية قضايا نصب جديدة توهم معها المستثمرون الصغار بتحقيق أرباح تصل إلي 30% شهريا وهي بالطبع نسبة كبيرة تجعل الكثيرون يطمحون وراءها إذ لا توفرها البنوك ولا حتي صناديق الاستثمار. ومعظم هذه المشروعات انحصرت في المواد الغذائية أو أجهزة التليفون المحمول وكروت الشحن، وتزامن ذلك حسبما قالت وزارة الداخلية نفسها مع عودة انخفاض سعر الفائدة الركود العقاري وارتفاع أسعار الذهب وضعف الاستثمار في المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر. وقالوا إن هناك أسبابا عديدة أخري دفعت المصريين وخاصة ممن يفضلون استثمار أموالهم وهي الغالبية العظمي إلي اللجوء لهذه الشركات برغم مخاطرها واضرارها طامعين في الثراء السريع لاسيما بعد الخسائر الفادحة التي تكبدوها جراء الاستثمار في البورصة مؤخرا. والأغرب من ذلك أن هذه الشركات بدأت في الانتشار ولا يوجد قانون ينظم طريقة عملها ومن ثم تشهد المحاكم المصرية العديد من القضايا التي تنظر في قضايا نصب وسرقة لأموال المستثمرين بها. لكن عمليات "توظيف الأموال" التي لا يوجد قانون ينظمها في السوق المصرية تتم في كثير من الاحيان دون إيصال أو مستند وتعتمد فقط علي السمعة التي يتمتع بها بعض الأشخاص أو التي يجيدون اقناع الناس بها. ويري الخبراء أن معظم هذه الشركات تكاد تكون وهمية وتظهر فجأة للحصول علي الأموال ومن ثم يهرب أصحابها خارج البلاد وهو ما يكبد الاقتصاد المصري خسائر فادحة. يقول الخبير الاقتصادي وأستاذ التجارة الخارجية وإدارة الأعمال الدكتور إبراهيم سرحان إن القانون الذي نشر علي صفحة وزارة الداخلية علي الإنترنت نص علي وجوب ألا يقل رأس المال المصدر لهذه الشركات عن خمسة ملايين جنيه ولايزيد علي خمسين مليون جنيه وأن يكون مدفوعا بالكامل ومملوكا كله للمصريين وأن يطرح منه نسبة 50% علي الأقل للاكتتاب العام. وتلتزم الشركة بايداع الأموال في حساب خاص بأحد البنوك المعتمدة والخاضعة لإشراف البنك المركزي ولا يجوز تحويل أي مبالغ منها إلي الخارج إلا بموافقة البنك المركزي المصري. وألزم القانون الشركات القائمة وقت صدوره بتقديم قوائم مالية معتمدة من مراقب الحسابات وإشراف الهيئة العامة لسوق المال علي أعمالها. ولكن لوحظ أن تلك الشركات كانت تدار بأسلوب عائلي أحيانا وغير رسمي أحيانا أخري فضلا عن عدم تمكنها من تقديم الميزانيات لعدم وجود أصول وأنشطة حقيقية في أغلب الأحيان. وقامت الهيئة العامة لسوق المال بإحالة تلك الشركات للنيابة العامة والمدعي العام الاشتراكي وصدرت قرارات التحفظ عليها وقامت الإدارة بالقبض علي أصحاب تلك الشركات وحصر أموالهم وممتلكاتهم في الداخل والخارج وحصر أصول تلك الشركات حيث تولت الجهات القضائية بالتصرف فيها ورد جزء من أموال المودعين لعدم كفاية الأصول ثم تولت الدولة رد باقي الجزء الآخر. كما أن هذه الشركات لم تلتزم بالقانون الذي ينص علي إلا يقل رأس مال الشركة المقامة لهذا الغرض عن خمسة ملايين جنيه مملوكة بالكامل لمصريين كما يشترط طرح 50% من الشركة للاكتتاب العام لمصريين أيضا والأهم من كل هذا أن تحصل الشركة علي ترخيص بمزاولة النشاط من هيئة سوق المال. ويري أن عدم ايجاد منتجات استثمارية جيدة وعدم تعدد الأوعية الادخارية أدت إلي انصراف المستثمرين عن البنوك واللجوء إلي شركات توظيف الأموال التي تمنح فائدة تصل إلي 30%. ومن جانبه يقول العضو المنتدب بشركة "بريزما" لتداول الأوراق المالية خليفة محمود إن هذه الظاهرة باتت من أخطر المشكلات التي تواجه الاقتصاد المصري حاليا مشيرا إلي أنها تعمل في السوق المصري دون تقنين أو ضوابط معتبرا أن المسئول الأول عن هذه الفوضي هو المستثمر نفسه فبدلا من الاستثمار في مجالات مضمونة ومعروفة ذات صبغة قانونية وشرعية يذهب إلي مثل هذه الشركات مجهولة الهوية لمجرد الطمع في الحصول علي أرباح خيالية. وأضاف أنه لم يعد يقتصر الأمر علي أشخاص غير معروفين بل وصل الأمر إلي اتهام أبناء مسئولين بالدولة لهم علاقة سواء عن طريق الاشتراك في توظيف هذه الأموال أو كونهم عملاء بهذه الشركات. وكانت مباحث الأموال العامة قد تلقت عدة بلاغات من أكثر من 500 شخص بقيام أحد أبناء المشاهير بتلق الأموال منهم بمساعدة متهم هارب وذلك بدعوي استثمارها في تجارة المحمول. وتبين أن المتهم هرب إلي دولة كندا بعد استيلائه علي الأموال. وأضاف بالطبع استشعرت الدولة خطورة أنشطة هذه الشركات في الثمانينيات لأنها كانت تعمل بدون غطاء قانوني يكفل حماية المودعين فأصدرت القانون رقم 146 لسنة 1988م في شأن تنظيم عمل شركات تلقي الأموال. إلا أن القانون في حجة إلي تفعيل ورقبة دائمة علي مثل هذه الشركات حتي لا يؤثر ذلك علي الاقتصاد المصري. ومن جانبه أكد محمود شعبان رئيس مجلس إدارة شركة الجذور لتداول الأوراق المالية أن ارتفاع معدلات التضخم تلعب دورا كبيرا في انتشار مثل هذه النوعية من الشركات ويري أن السبب وراء عزوف المستثمرين عن الأوجه المعروفة والمقننة مثل البورصة وصناديق الاستثمار هو فقدان الثقة في سوق المال والبورصة المصرية كما أن صناديق الاستثمار لا تقدم ربحا يتجاوز ال 15% وتتأثر هي كذلك بتقلبات البورصة. ويري أن ارتفاع معدلات التضخم وصعوبة توفير رءوس الأموال للمشروعات الصغيرة والمتوسطة أما بسبب تعقيدات إدارية أو بسبب قلة المدخرات أو بسبب قلة العائد أدت إلي لجوء المستثمرين إلي هذه الشركات التي تحقق ربحية أعلي ولو نظريا من من أي مجال استثماري آخر. وهذا ما يطرح ضرورة إعادة النظر في المعوقات التي تعرقل عمل المستثمرين الصغار الذين يمثلون غالبية أبناء المجتمع المصري وهؤلاء هم من لديهم قدر ولو ضئيل من الأموال يرغبون في استثمارها من أجل تحقيق ربحية تعينهم علي تحمل أعباء الحياة خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وبالتالي صعوبة الاعتماد علي دخول ثابتة توفرها لهم مرتبات الحكومة أو حتي القطاع الخاص.