من مزايا ترتيب الوقت هو إتاحة الفرصة لأصحاب المواهب المتعددة كي يعبروا عن أنفسهم بالقدر الكافي، كما أن الندية في صحبة الكبار يمكن أن تضيف الكثير والجليل لمن يتقن تلك الندية. هكذا أهمس لنفسي كلما قرأت اسم الكاتب المقتدر محمد سلماوي، فمساحة قدراته علي التعبير تتنوع بين صفاء الرؤية الصحفية الناقدة والساخرة، والموجزة، كما أن أعماله كرئيس تحرير للصحيفة الفرنسية الجديرة بالتقدير والتي تصدر عن الأهرام، لابد أنها تأخذ من وقته الكثير، وفوق ذلك رئاسته لاتحاد الكتاب بمن يضمن لهذا الاتحاد مكانة لم تكن له في يوم من الأيام، فخطوات الاتحاد إلي صيانة كرامة أعضائه هي أهم ملامح رئاسة سلماوي لهذا الاتحاد. وإذا اتجهنا إلي عالمه الأدبي، سنجد قدرة مسرحية راقية ومعبرة، وفوق ذلك سنجد ملامحه ككاتب قصة قصيرة في زمن ضاعت فيه القصة القصيرة عندنا في غياهب عدم الاهتمام، فلم تعد القصة القصيرة وعاء قادرا علي جذب الانتباه كما كانت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ولكن ها هو محمد سلماوي يصدر مجموعة قصصية جديدة يثبت بها حساسية هذا الفن الجميل الذين لم يعد له رونقه في دنيا الإبداع بعد أن دخله كل من هب ودب. ولعل نجاح محمد سلماوي في كل من المسرح والقصة القصيرة، هو ابن لمحبته العميقة وصحبته لاثنين من أرقي عمالقة الزمان العربي وهما توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، ويمكن أن نلحظ مدي عمق تأثر سلماوي بتوفيق الحكيم في المسرحيات التي كتبها سلماوي، حيث تبدو القدرة الذهنية الراقية والعالية في مسرحيات سلماوي، وكأنه الابن المفضل لتوفيق الحكيم، فضلا عن محاولة الابن تطوير المادة المسرحية لمتطلبات العصر، ولعل ذلك قد ظهر واضحا في "سالومي". ولكن مواقف الحياة لا يمكن حصرها في المسرح فقط، لذلك كانت لقطات الحياة تأخذ سلماوي إلي القصة القصيرة الغلابة، وان بدا انه لم يتأثر بمن سبقوه، ولكن بمن قرأ لهم في الأدب الفرنسي والأدب الانجليزي، حيث تسيل اللغة بصفاء عالي القيمة، وتظهر الكلمات ما يجري تحتها وداخلها من معان. ولعل قصة كونشرتو الناي في مجموعته الأخيرة ايزادورا والاتوبيس هي التي صارت ملكة للمجموعة القصصية في خيالي، ذلك ان الناي المصنوع من قصب معين ينبت شيطانيا في بعض من مناطق مصر، يظل من افضل ادوات العزف الموسيقي واكثره قربا من قلبي. وان اردنا ايجاز القصة القصيرة "كونشرتو الناي" سنجدها نموذجا لكل ما يموج به البشر والنبات والحجر في البلدان المتخلفة حيث يتجه كل كائن إلي مستقبل لم يكن ينتظره، ولهذا كانت القصة هي المفتاح الذي انتبهت له لعلنا نعيد النظر في كيفية وصول كل من الإنسان والنبات والحجر إلي مستقبل يتفق مع الأحلام. ولا يعني تتويج القصة في خيالي إلي قمة المجموعة أن بقية القصص تقل عنها مكانة، فبعض القصص تبدو وثيقة حية علي فوضوية زماننا الذي نحياه. شكرا محمد سلماوي.