هذه فكرة يراها الحالمون فرصة لحماية أوروبا كلها من التلوث الناجم عن الانبعاثات الغازية الكربونية.. ولكنها أيضا فكرة قد يراها البعض محاولة من أوروبا لبعث ماضيها الاستعماري القديم والعودة الي نهب الثروات الافريقية كما حدث خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.. وقد يري البعض الآخر ان هذه الفكرة من ناحية ثالثة يمكن ان تكون احدي التجليات المفيدة لعصر العولمة تمارس فيها أوروبا وافريقيا سياسة الاعتماد المتبادل والمصالح المشتركة علي أساس من العدل والتكافؤ. والفكرة باختصار كما تطرحها مجلة "تايم" هي استخدام الطاقة الشمسية المنصبة علي الصحراء الافريقية الكبري لتوليد الكهرباء من مصدر نظيف ومتجدد وامداد اوروبا بها عبر خطوط الربط الكهربائي التي يجري اقامتها الآن بين القارتين الافريقية والاوروبية.. وتقول المجلة ان الصحراء الافريقية الكبري تقع علي مسيرة ساعة أو ساعتين فقط بالطائرة من أي مطار في جنوب اوروبا وان مساحة هذه الصحراء ضعف مساحة غرب أوروبا كله وانها مساحة خالية تماما من المباني والطرق والبشر ولا توجد فيها سوي الصخور والرمال الصفراء وانها في جملة واحدة اكبر صحراء في العالم كله شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. وقد ظل كثير من الاوروبيين ينظرون الي الصحراء الافريقية الكبري لسنوات عديدة باعتبارها منطقة عديمة القيمة أو الجدوي الاقتصادية ولكن هذه النظرة تخضع الآن لمراجعة جوهرية، فالسياسيون والعلماء في شمال المتوسط وجنوبه بدأوا يركزون علي الصحراء الكبري كمصدر محتمل لتزويد اوروبا بالكهرباء لقرون عديدة قادمة ويعتقد هؤلاء الناس ان مساحة الصحراء الافريقية البالغة 32.3 مليون ميل مربع "6.8 مليون كيلومتر مربع" تكمن قيمتها الحقيقية في نقطة ضعفها الرئيسية وهي مناخها القاري.. فهذا الخلاء الصحراوي الهائل تصل حرارة الشمس فيه الي 113 درجة فهرنهايتية "45 درجة مئوية" في معظم أوقات ما بعد الزوال أي انها بعبارة أخري تعتبر مخزنا طبيعيا هائلا للطاقة الشمسية. ومنذ سنوات قليلة فقط بدأ العلماء يحسبون حجم الطاقة التي تملكها الصحراء الكبري وكانت النتائج مذهلة حيث وجدوا ان شريحة صغيرة من الصحراء مساحتها 35 ألف ميل مربع "90600 كيلومتر مربع" أي أصغر من مساحة البرتغال ولا تمثل سوي اكثر قليلا من 1% من جملة مساحة الصحراء يمكنها ان تنتج كهرباء من الطاقة الشمسية تعادل جملة انتاج كل محطات الطاقة في العالم مجتمعة، اما إذا أخذنا شريحة أصغر ولتكن 6 آلاف ميل مربع "5.15 ألف كيلومتر مربع" أي قدر مساحة ولاية كونيكتكت الامريكية فانها يمكن ان تنتج كهرباء تكفي لاستهلاك500 مليون من البشر.. ويقول ميشيل باولين مدير شركة "اكسبولوريشان ارشتكتشر" وهي احدي ثلاث شركات بيئية بريطانية تتولي اختبار مشروعات الطاقة الشمسية في سلطنة عمان ودولة الامارات- إنه لم يكن يصدق هذا الأمر حتي اجري الحسابات بنفسه ولذلك فهو يصف امكانات الصحراء الافريقية الكبري في هذا المجال بأنها مذهلة. ولا احد بالطبع يريد اقامة محطة كهرباء بمساحة بلد صغير عن طريق استخدام التكنولوجيا القديمة في هذا المجال ولكن العالم لديه الآن تكنولوجيات متطورة نسبيا يمكنها تحويل حرارة الصحراء وضوء الشمس الي كهرباء مباشرة وهي تكنولوجيا تكثيف او تركيز الطاقة الشمسية Concentrating Solar Power. CSP انها لا تعمل بكامل طاقتها إلا في مناخ مشمس وحار اي في الصحراء، والصحراء بعيدة بالطبع عن مراكز العمران مما يقتضي اقامة شبكات نقل ممتدة.. وعلي سبيل المثال فان امداد اوروبا بنحو 20% من حاجاتها من الكهرباء يستلزم مد كابلات التيار المباشر عالية الفولتية HVDC باور تكنولوجيز بمدينة لودفيك السويدية.. والحقيقة ان استخدام اوروبا مصادر الطاقة المتجددة "الشمس والرياح والمد والجزر" سوف يفرض عليها بناء شبكات توزيع كهربية جديدة وذلك لأن الشبكات الحالية المتداعية مصممة لتناسب محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم والتي تمد أوروبا بنحو 80% من حاجتها إلي الكهرباء وهي غير مهيئة لأحمال أكبر. ويري خبراء مركز أيروسبيس الحكومي الألماني لأبحاث الطاقة أن إحلال هذه الشبكات سيرفع من تكاليف أي مشروع لتوليد الكهرباء من الصحراء الإفريقية الكبري من أجل إمداد أوروبا بها وأن الأمر يحتاج نحو 465 مليار دولار خلال السنوات الأربعين القادمة بمتوسط سنوي يقترب من 12 مليار دولار؛ ولذلك فإن الأمر في تقدير جونار أسبلوند يحتاج إلي دعم حكومي سخي وفي ظروف الركود الحالي فإن صنع رأي عام سياسي مساند لمثل تلك الأفكار الطموح يصبح مسألة صعبة. ومع ذلك فلا ينبغي أن ننسي أن الرئيس الفرنسي ساركوزي عندما طرح فكرة تكوين الاتحاد المتوسطي العام الماضي وهو الاتحاد الذي يضم 43 دولة من أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط قد طرح معها فكرة إقامة مشروعات لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في الصحراء الإفريقية الكبري ولكن هذا المشروع يلقي معارضة من بعض السياسيين في المانيا وبريطانيا بدعوي أنه باهظ التكاليف ومحفوف بالكثير من التعقيدات السياسية وحتي المناخية (مثل العواصف الرملية في الصحراء الكبري).