مرت في أول يناير الحالي 2009 عشر سنوات كاملة علي ميلاد اليورو كعملة أوروبية موحدة حيث تم إطلاقه لأول مرة في اليوم الأول من يناير عام 1999 وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن اليورو مر في سنواته العشر الأولي باختبارات عديدة اجتازها كلها بنجاح، فقد أثبت كذب الادعاءات التي كانت تتوقع تفكك منطقة اليورو، كما أثبت أنه ليس عملة رخوة علي نحو ما كان يتخوف البعض ونجحت السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي في وضع تقاليد مشتركة لدول المنطقة كما نجحت في السيطرة علي التضخم والهبوط به إلي أدني مستوياته. وإذا كانت مسيرة اليورو حتي الآن تمثل قصة نجاح من زاوية تحقيق الاستقرار الاقتصادي فإن الأمر المثير للجدل هو مدي قدرة اليورو علي زيادة معدل النمو في البلدان التي تخلت عن عملاتها الخاصة لصالح الأخذ باليورو كعملة أوروبية موحدة، ومع ذلك يمكن القول بأن دول منطقة اليورو شهدت تحسنا طفيفا في معدل النمو الاقتصادي خلال السنوات العشر الأخيرة وإن كان متوسط دخل الفرد فيها لايزال يمثل 70% من متوسط دخل الفرد في الولاياتالمتحدة. وعلي جانب آخر، فقد برهن اليورو علي أنه ملاذ آمن للمستثمرين وعملة منافسة للدولار في مجال صنع الاحتياطيات الدولية بالنقد الأجنبي ولكن الدولار لايزال في الصدارة، فرغم الأزمة المالية الطاحنة التي يعانيها العالم والولاياتالمتحدة في القلب منه لايزال الدولار هو عملة الاحتياطيات الأجنبية الأولي، صحيح أن أداء اليورو خلال شهور تلك الأزمة أفضل من أداء الدولار ربما لأن بنك الاحتياط الأمريكي هبط بسعر الفائدة علي الدولار إلي الصفر بينما رفض البنك المركزي الأوروبي أن يتبعه علي نفس الطريق ولكن ثقة المستثمرين في الدولار حتي هذه اللحظة تبرهن علي أن له مزايا تفوق ذلك الوافد الأوروبي الجديد. وهذا بطبيعة الحال لا ينبغي أن ينسينا أن أداء دول منطقة اليورو عندما احتدمت الأزمة المالية العالمية في مطلع الخريف الماضي كان أفضل من أداء جيرانها في أوروبا الذين لم ينضووا بعد تحت لواء اليورو، ففي الخريف انصرفت رؤوس الأموال عن العملات الهشة بينما ظلت متواجدة داخل دول اليورو، ولذلك تعرضت دول مثل أيسلندا وبعض بلدان شرق أوروبا للأزمات خصوصا تلك الدول التي تعاني عجزا في الميزان الحسابي وضخامة في الدين العام مثل المجر.. أما دول اليورو حتي ولو كانت تشهد هذا الثنائي الخطر "عجز الميزان الحسابي وضخامة الدين العام" فقد نجت من الأزمة النقدية التي ضربت الآخرين، ومن أبرز الدول التي ساعدتها عضويتها في منطقة اليورو علي امتصاص الأزمة النقدية وتقليل آثارها الضارة دول مثل أيرلندا وبلجيكا وإسبانيا. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إنه منذ بدء الأزمة المالية العالمية حتي الآن سارع المستثمرون إلي الهرب من كل العملات إلا أربع عملات عالمية كبري أولاها الدولار والثانية اليورو والثالثة الين الياباني والرابعة هو اليوان الصيني، وحتي الجنيه الاسترليني والفرنك السويسري اللذان يستحوذان علي شريحة صغيرة من جملة الاحتياطيات العالمية بالنقد الأجنبي فإن الشكوك تزايدت ولاتزال تتزايد في قدرتهما علي الصمود، ولأن كلا من بريطانيا وسويسرا لديهما صناعة مصرفية ضخمة محملة بديون أجنبية كبيرة فإن البعض صار يري أنهما تشبهان في حالهما حال أيسلندا وأيرلندا ولكن بدون الميزة التي تتمتع بها أيرلندا وهي الانتماء إلي منطقة اليورو. ومع ذلك فإن بعض قادة المفوضية الأوروبية لا يتورعون عن المبالغة في الدور الذي يلعبه اليورو الآن كملاذ آمن لأموال المستثمرين، وفي حديث لراديو فرنسا قال خوسيه مانويل بروزو رئيس المفوضية إن بعض السياسيين البريطانيين أخبروه أن حال بريطانيا كان سيصبح أفضل لو أنها الآن عضو في منطقة اليورو، وادعي بروزو أيضا أن بريطانيا الآن أقرب ما تكون للانضمام إلي منطقة اليورو من أي وقت سبق، وهذا القول ينطوي دون شك علي مبالغة في التقدير لأن بريطانيا تدرك طبيعة المشاكل التي تعترض انضمامها إلي اليورو بسبب الشروط المتشددة التي يتعين تحقيقها أولا من أجل الانضمام وخاصة فيما يتعلق بمستوي التضخم ومدي العجز في الميزانية، وعموما فإنه قد يأتي يوم تقتنع فيه دول اليورو بضرورة تخفيف هذه الشروط خصوصا أن دول اليورو لديها هي الأخري مشاكلها الداخلية الكثيرة التي من أبرزها تزايد تكاليف العمل علي نحو يهدد قدرتها التنافسية ويهدد كذلك قدرتها علي التعافي من الأزمة المالية الاقتصادية الراهنة خصوصا أن الزيادة في تكاليف عنصر العمل لا تقابلها زيادة مناسبة في مستوي الانتاجية بل ربما كان العكس هو الصحيح فمعدل النمو في الانتاجية في دول أوروبا كان 1،6% في السنة التي سبقت إنشاء منطقة اليورو أما الآن فإن هذا المعدل لا يتجاوز 0،8% سنويا بعد عشر سنوات من قيام هذه المنطقة، وهذا معناه أن الآمال التي كانت معلقة علي دور اليورو كدافع مشترك للإصلاح الاقتصادي هي آمال لم تتحقق وتجدها اليوم أمرا مشكوكا في قوته. وخلاصة القول إن اليورو بعد عشر سنوات علي ميلاده قد خفض من صدمة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية علي الدول الأعضاء في منطقته وإنه أيضا قد أثبت وجوده كعملة للاحتياطيات الدولية بالنقد الأجنبي ولكن الدولار لايزال هو عملة الاحتياطيات العالمية الأولي حيث يستأثر وحده بنحو ثلثيها في حين لا يستأثر اليورو إلا بالربع، ويري بعض المراقبين أن اليورو لن يمكنه تحدي هيمنة الدولار إلا إذا تحولت منطقة اليورو إلي دولة واحدة وليس 16 دولة لكل منها حكومتها وميزانيتها وسوق السندات الحكومية التي تحضها في حين أن أمريكا دولة واحدة وأذون وسندات الخزانة بها ليس لها سوي مصدر واحد، إن اليورو قد يزيد من دوره كعملة للاحتياطيات النقدية الأجنبية ولكن ذلك سيكون أساسا علي حساب الإسترليني والفرنك السويسري، أما الدولار فإنه قد يتراجع ولكنه سيظل إلي وقت طويل العملة الأولي بغير منازع.