أصبح "لوم الضحية" هو المنهج الشائع في "معالجة" الكوارث القومية. ومثلما لم يتردد بعض كبار المسئولين في إلقاء اللوم علي السكان الغلابة في الدويقة الذين سقطت عليهم صخور جبل المقطم ودفنتهم أحياء تحت أثقالها بحجة انهم "اختاروا" سكني سفح الجبل رغم علمهم بخطورة ذلك "وكأنهم كان لديهم خيار آخر!!". مثلها بالضبط لم يتردد "مصدر مسئول" بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي عن لوم الفلاحين وتحميلهم مسئولية الكارثة التي سيتعرض لها محصول القمح في الموسم الحالي والموسم الذي يليه، بحجة تمسك هؤلاء الفلاحين "بثقافة الاعتماد علي التقاوي غير المنتقاة". وأنا لست خبيرا في شئون الزراعة، لكن الخبراء الحقيقيين ومنهم صاحب الرسالة التالية يفندون هذا الإدعاء الذي ردده "المصدر المسئول" بوزارة الزراعة، ويردون عليه بالحقائق والأرقام الدامغة التي تبين أن سياسات الحكومة ومن بينها سياسة وزارة الزراعة سياسات عشوائية، تتعامل مع القضايا الاستراتيجية، ومنها قضايا الأمن الغذائي وفي مقدمتها قضية القمح، بطريقة بدائية تفتقر إلي التفكير المستقبلي أو النظرة البعيدة. وعلي سبيل المثال.. عندما تجد حكومتنا الموقرة أن أسعار استيراد القمح في سنة من السنوات أقل من أسعار تكلفة زراعته محليا في سنة من السنوات تقرر إهمال زراعته في مصر بحجة أن استيراده من الخارج سيوفر للدولة 2 مليار جنيه، لكنها تفاجأ في العام التالي وبعد امتناع الفلاحين عن زراعة القمح بأن تتحمل الخزانة المصرية 4.6 مليار جنيه ثمنا لاستيراده من الخارج في العام التالي مباشرة! ولأن الموضوع خطير، ويمثل تهديدا لأحد المحاصيل الاستراتيجية التي لا تقوم للأمن الغذائي قائمة بدونها لأنها تتعلق برغيف "العيش".. الخبز اليومي لجميع المصريين. ولأنه يمثل أيضا نموذجا للعشوائية في صنع السياسات التي تمس حياة المواطنين وعصب الاقتصاد الوطني. فإني أترك المساحة المخصصة لمقالي هذا الأسبوع لتحليل تفصيلي ودقيق كتبه الخبير الزراعي الدكتور سيد الباز لمأساة القمح التي يتنصل "مصدر مسئول" بوزارة الزراعة من مسئوليتها ويلقي بتبعاتها علي الفلاح المصري الغلبان! * * * ثقافة الاعتماد علي التقاوي غير المنتقاة! د.سيد الباز نشرت الجرائد القومية تصريحا لمصدر مسئول بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي أعلن فيه ان زراعات القمح في الموسم الحالي تواجه مأزقا حادا وربما يلقي بظلال شديدة القتامة - حسب تعبيره - علي الموسم الذي يليه ويسبب تراجعا حادا وتدهورا في المحصول الذي سيكون مصابا بحشائش الزمير والتضخم الاسود وغيرهما من الأمراض التي تصيب القمح هذا هو نص تصريح المصدر المسئول. السؤال ما هي القصة؟ ولماذا استخدم المصدر المسئول هذه اللهجة الحادة؟ القصة ببساطة كما يقول نفس المصدر انه سادت بين المزارعين ثقافة الاعتماد علي التقاوي غير المنتقاة والتي يزرعونها بأراضيهم رغم انها لم تمر بمراحل سليمة لاعدادها كتقاو وتجاهلهم للتقاوي المحسنة انتاجيا والتي تنتجها وزارة الزراعة وبعض الشركات الخاصة تحت إشرافها، ولفهم الأمر وإداك حجم الكارثة القادمة فإني أضع أمام من يهمه الأمر الحقائق التالية. أولا: جملة المساحة التي قررتها وزارة الزراعة هذا العام لزراعة القمح هي 2.3 مليون فدان هذه المساحة تحتاج إلي حوالي 260 ألف طن تقاوي "يحتاج الفدان إلي 75 كم". ثانيا: جملة التقاوي التي وفرتها وزارة الزراعة من خلال الادارة المركزية لانتاج التقاوي التابعة لوزارة الزراعة والشركات الخاصة التي تعمل في مجال انتاج التقاوي هي 55 ألف طن انتاج الوزارة و25 ألف طن انتاج الشركات الخاصة، السؤال ماذا تغطي هذه الكميات من المساحة المقرر زراعتها؟ انها تغطي حسب تصريح المصدر المسئول 30% من اجمالي المساحة المقرر زراعتها إذا بقية المساحة المقرر زرعتها وهي 70% لا تثير توقف او انزعاج المسئولين بوزارة الزراعة اما لماذا انزعاج المسئولين بالوزارة فلا أنها اكتشفت في نهاية موسم زراعة القمح تراجع مبيعات التقاوي.