في الطريق إلي السفارة الفرنسية بالجيزة كنت أفكر في أن من سوف أراه مكرما بوسام الشرف برتبة فارس من الجمهورية الفرنسية هو إسماعيل سراج الدين هذا الذي تمتلئ ساعات أيامه بمحاولة تخفيف كروب البشر عن طريق احترام العلم، وهو من لم تقم جامعة مصرية واحدة بإهدائه أي دكتوراه فخرية، لعلها تنضم إلي الواحدة والعشرين جامعة عالمية ممن أرادت الاعتراف لنفسها بمعرفة قيمة رجل يقتحم المشكلات الإنسانية بعقل شاسع الإفق وصدر ممتلئ بالإيمان أن المستقبل يجب أن يكون أفضل من الحاضر. كنت أفكر في إيمانه العميق بأن زبد العنجهية الأمريكية سيذهب سدي، وكان ذلك حين عمل علي جمع العديد من منارات العقول العربية منذ خمس سنوات بمكتبة الإسكندرية كي يضعوا تصورا لحياتهم دون تدخل أجنبي تحت ستار الإصلاح، فكانت وثيقة الإسكندرية بمثابة حائط الصد عن مسلسل العدوان المبيت أمريكيا ضد أغلب الدول العربية، فنحن أدري بعيوبنا، ونحن الأول بإصلاحها دون انتظار توجيهات من أحد. وكنت أفكر في سلسلة الندوات والمحاضرات واستضافة علماء حصلوا علي جائزة نوبل، وتناولوا مشكلات جسيمة تملأ الكون كله، ونقلوا خبراتهم عبر المحاضرات إلينا، وإن كان هناك تقصير في وصول المعلومات التي قالوها فهي مسئوليتنا نحن في الإعلام الذي يرتبك أحيانا أمام المثير، ويتجاهل في بعض الأحيان الجوهري من الأمور. وبعد أن تصافحت مجموعة الحضور وهم من خلاصة الخلاصة للعقل والوجدان المصري، بدأت مراسم الحفل حيث ألقي السفير الفرنسي جون فليكس باجانون كلمة الجمهورية الفرنسية التي تشهد لمكتبة الإسكندرية بجدارة ما فعلته في خمس سنوات يتصل فيها حاضرها بماضيها عندما كانت منارة الكون الهادية، هنا بدأ إسماعيل سراج الدين كلمته بتذكيرنا بأن وسام جوقة الشرف الذي ناله منذ دقائق هو من أفكار نابليون بونابرت، وهو أول من وضعه علي صدره، وهو ليس مجرد رمز زخرفي، بل هو تعبير من جمهورية فرنسا التي كانت وليدة حين ذاك عن وجود فئة من البشر تمثل نبل التفكير، فكان مكافأة مشتركة لكل من يقدم جهدا بشريا يفيد الإنسانية. وتوقف إسماعيل سراج الدين عن مشكلة المشكلات في زماننا وهي العولمة التي تحاول أن تذيب هويات البشر في هوية واحدة، وكيف أن الوجدان البشري يمكن أن يستفيد من تنوع الثقافات وهو ما تحرص علي تأصيله مكتبة الإسكندرية، وإذا كان نابليون هو القائل إن هناك قوتين تحكمان العالم قوة السيف وقوة العقل. فعلي المدي الطويل غلبت قوة العقل قوة السيف. وهمست لنفسي أنا كاتب هذه السطور "ياليت العقل بانجازاته العاطفية والعملية تهزم قوة السيف الرعناء التي تصول وتجول في بعض من عالمنا العربي لتهدي الحزن للعديد من البشر سواء في العراق أو فلسطين". مبروك د. إسماعيل لك بالوسام، وإن كنت أنوي أن اقترض منك بعض الأوسمة والدكتورهات الفخرية إن كانت تمنح أي تخفيض في تذاكر السفر أو شراء الكتب، ولكني عدلت عن ذلك عندما عرفت أنها مجرد رموز علي جهد علمي وإنساني كبير يخص من نال الوسام أو درجة الدكتوراه، وأنت لم تحصل علي ذلك عبث، بل بالتفكير في الغير وأن يكون ما في الماضي من خبرة قادرا علي أن يهدي العقل الحاضر بصيرة يستكشف بها المستقبل.