العالم في أزمة عامة وشاملة والأزمة موجودة منذ وقت طويل، لكن انكار وجودها أدي إلي تفاقمها، وينادي البعض الآن بالعودة إلي النظم الشيوعية أو الاشتراكية الديمقراطية أو نظم التخطيط المركزي وينادي البعض الآخر بمبادئ وأدوات الاقتصاد الإسلامي كنظام بديل علي الجانب الآخر يتشدق البعض بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان وأن الظاهرة تحتاج الي مخفضات حرارة لا أكثر ثم تعود دورة الاقراض الرخيص وينتعش الاقتصاد! ويري البعض أنه لا رجوع عن الرأسمالية "لكن أية رأسمالية" إن العاقل هو الذي يضع يده علي الداء ويشخصه ثم يضع له الدواء الناجح والحكمة ضالة المؤمن وما لا يدرك كله لا يترك كله وفي هذا الصدد طرح الكثيرون وجوب القيام بما يلي: أولا: مرحلة تثبيت حالة المريض حتي لا يموت في هذه المرحلة إذا كان المريض وهو العالم مصاب بداء فشل عام في معظم أجهزة الجسم يجري التعامل مع الحالة كحالة طارئة وما اتخذ من اجراءات كضخ السيولة المالية في البنوك لتوفير المال للشركات العاملة في الاقتصاد العيني كي لا تفلس هو أمر حميد لكن ضخ السيولة في مريض أوعيته الدموية مثقوبة هو حرث في بحر، فلابد من سد الفجوات والثقوب وذلك بمنع عمليات المقامرة الضارة في أسواق المال مثل البيع علي المكشوف "بيع ما لا تملك" والحد من البيع بالهامش وحظر العديد من المشتقات وحظر التعامل عليها بل وتجريمها فإذا كان الكثير منها قمارا صرفا والبعض الآخر احتيالا صرفا فلماذا نعاقب سارق الدجاجة ولا نعاقب من احتالوا علي العالم؟ فإذا كانت ثمة دول تجرم عمليات القمار والميسر فمن الواجب تجريم تلك العمليات الضارة مع ضرورة احجام أي مستثمر عن الاستثمار في مشتقات لا يفهمها ورجل المال الضليع "وارن بافت" البليونير الشهير وأغني أغنياء العالم لم يستثمر أو يضارب طوال حياته فيما لا يفهمه من مشتقات لأنه كما يقول لا يستثمر فيما لا يفهمه وما بالك ان المشتقات أدوات مالية مبهمة بطبيعتها لرجال المال اضافة الي وجوب إلزام المصارف باقراض المشروعات الانتاجية ذات الجدوي الاقتصادي خاصة إذا كانت تلك المصارف قد حصلت علي سيولة نقدية من الحكومات مع ضرورة زيادة معدل الضرائب علي الاقتصاد الريعي لتمويل العجز في ميزانيات الحكومات التي مولت البنوك المخفقة لتوفير السيولة. ثانيا: الاستقرار علي اتجاه ثم وضع بروتوكول العلاج ما طلبه الرئيس ساركوزي من جعل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعا لرؤساء الدول لحل الأزمة العالمية كان رأيا سليما وفي موضعه ولكن لم يجد صدي كافيا في حينه لابد من سرعة تحفيز مراكز البحث ودعم اتخاذ القرار لدراسة ما يلزم تعديله وتطويره من نظم محلية من جهة ونظم كلية عالمية حاكمة للسياسة والاقتصاد والتشريع في العالم من جهة اخري بما يلائم العالم الجديد وواقع القرن الحادي والعشرين، فنحن نحتاج لنظم وتشريعات مبتكرة جديدة لمواكبة واقع متزايد التسارع والتعقد والتغير، ولا حرج في أخذ ما يصلح من أية ايديولوجيات أو فلسفات قديمة أو حديثة فكل نظرية أو ايديولوجية بها افكار صائبة وأفكار أخري خاطئة والمنطق العملي يستلزم الأخذ من الحكمة البشرية بكل ما هو نافع ومفيد وفي المجال السياسي الدولي لابد من وضع نظام عالمي سياسي اقتصادي دولي جديد فيكون للعالم ربان كما هي الحال في كل شركة تجارية أو صناعية لها مجلس إدارة يديرها فإذا كان العالم مستمرا في العولمة فلابد ان يدار العالم بشكل عولمي اشبه بالشركة المساهمة المحوكمة فلا سفينة بلا قيادة والعالم المسطح وهم جميل. أما إذا ارتد العالم عن العولمة واتجه الي مبادئ الاقليمية بدلا من العولمة والي التكتل والتكامل الاقتصادي الاقليمي بدلا من التكامل الاقتصادي الدولي فإن قواعد العمل سوف تختلف اختلافا جذريا فإذا لم توضع آليات ونظم عالمية عادلة وقابلة للتطبيق فسوف يرتد العالم بالضرورة إلي مبدأ التحالفات والتكتلات الاقليمية لبقاء وضمان الوجود وعدم الفناء فلابد من إعادة صياغة نظام الأممالمتحدة ونظم المؤسسات الاقتصادية الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية بحسب الاتجاه الذي سيغلب في العالم سواء كان الاتجاه العالمي أم الاتجاه الاقليمي لكن حذار فالأشخاص والهيئات التي تسببت في الكارثة هي التي قد توصي بالحل وليس من مصلحتهم إلا التغيير التجميلي تشبثا بالوضع القائم والبقاء فإن حدث ذلك فتلك الطامة الكبري. إن مبادئ الرقابة الذاتية ليست كافية كما ان الرقابة المتحجرة مميتة والمطلوب رقابة يقظة وفعالة ان الطريق الوسط قد يكون المخرج ويقول البعض انه في اعادة بحث النظم والأفكار الخاصة بالتعاونيات الانتاجية والتعاونيات الاستهلاكية احد الحلول المتاحة لتنشيط الاقتصاد وطرح البعض أدوات الاقتصاد الإسلامي ومبادئ الاقتصاد الإسلامي كنظام بديل لا ربوي ويقول البعض بضرورة إعادة النظر في غطاء النقود المصدرة فمن المعلوم ان الغطاء الذهبي للنقد وقاعدته قد ألغيتا وشر البلية أن الأدوات المالية الافتراضية التي عمت الأسواق كانت بلا أي غطاء أو بغطاء نسبته 1 إلي 50 مثل المشتقات وغيرها ومعظمها أموال وهمية فبدلا من طبع النقود بلا غطاء "ثم اصدار أدوات كأنها نقد مواز للنقد الرسمي اسمه المشتقات والتوريق" فلابد من ايجاد قاعدة قيمية مادية وركيزة ملموسة كغطاء للنقد المصدر وليكن ذلك متمثلا في قيمة الاقتصاد العيني اضافة الي حقوق الملكية الفكرية شريطة ان تكون مقومة تقويما سليما وإذا كان الاقتصاد الأمريكي يشكل 25% من الاقتصاد العالمي فليكن للدولار حجم ودور متناسبان مع تلك النسبة شئنا أم أبينا فقد انتهي عصر الوهم والاقراض السهل فالأزمة سوف تقتل بشرا وتجوع بشرا ولكنها قد تعيد البشر الي صوابهم والي فضائل العمل والانتاج والصدق والتعاون والتكافل لكنها قد تقودنا الي منزلق كبير من الحروب البشعة علي الثروات والمياه بين دول تنغلق علي نفسها وتعتدي علي من حولها طلبا للبقاء لقد قرر ألن جرينسبان حبر العولمة المالية في شهادة أمام الكونجرس الامريكي ان ايديولوجيته ومعتقداته علي مدي 40 عاما بها أخطاء جسيمة وانه مصدوم وان اعصار "تسونامي" ضرب العالم ويقول البعض الآن في مصر لا رجوع عن الرأسمالية واقول أية رأسمالية؟ نحن نحتاج الي حلول ابتكارية والايديولوجيات ومنها الرأسمالية والشيوعية وغيرها أفكار بشرية وليست أبقارا مقدسة وافكار البشر يؤخذ منها ويرد فإذا كانت العولمة هي الحل فلابد من نظير لمجلس إدارة عالمي يدير شئون العالم وان كانت العودة الي الاقليمية أفضل فلنتجه الي تحقيق ذلك وان كان الحل في غير هذا أو ذاك فما هو الحل المبتكر إن فضائل الأمانة والحق والعدل والعلم تعكس قيما مطلقة وصمام أمام والغش يفسد كل شيء لقد سبق ان قرر "هيجل" فيلسوف التاريخ ان لكل فكرة نقيضها ومن الفكرة والنقيض تنشأ الفكرة الجديدة ونحن في انتظارها!! خبير التشريعات المالية والتجارية