كان الخبر الذي نشرته بعض الصحف الخليجية يوم الجمعة الماضية مؤلما بل وموجعا لنا جميعا. فالخبر يقول إن دراسة علمية سعودية أظهرت أن أغلبية المتسولين في السعودية جاءوا إليها بحجة أداء العمرة حيث بلغت نسبتهم 89،25 بالمائة وقد استقلوا الطائرات في قدومهم. وجاء في الخبر أن التسول ينتشر بصورة واسعة بين المصريين حيث بلغت نسبتهم 49 بالمائة من إجمالي المتسولين بالمملكة ثم مواطني شبه القارة الهندية بنسبة 29،25 في المائة. ودون البدء بالتشكيك في الأرقام التي أوردتها الدراسة والخاصة بنسب التسول ووضع المصريين في المقدمة فإننا ندين هذا السلوك من جانب المصريين الذين أهانونا إلي هذا الحد والذين لا يكترثون كثيرا لا بسمعة بلادهم ولا حتي بكرامتهم الشخصية. والحقيقة أنه ما من مصري ذهب لأداء العمرة أو الحج إلا وعاد يشكو من هذه الظاهرة وهي انتشار أعداد كبيرة من المصريين الذين تخلفوا عن العودة إلي مصر وانتشروا في كل مكان يحاولون جمع ما يمكنهم جمعه من أموال سواء بالتسول أو بأداء مهام ووظائف صغيرة لا تليق بهم. ولا نعرف كيف خرج كل هؤلاء من مصر ومن سهل خروجهم بهذا الشكل وأين هي الضمانات التي تأخذها شركات السياحة عليهم لضمان عودتهم عقب انتهاء العمرة. فحين تتواجد كل هذه الأعداد الكبيرة الهاربة من المصريين فإن هناك الكثير من المشاكل الأمنية التي يمكن أن تواجههم والتي بسببها تتعرض أعداد منهم لملاحقات أمنية واعتقالات أيضا وزج في السجون بدون محاكمات ولا يمكن بعد ذلك لأي سفارة مهما كان حجم العاملين بها ومهما كانت قدراتهم واتصالاتهم مساعدتهم أو الوصول إليهم. فنحن نحمل سفاراتنا في الخارج وخاصة في دول الخليج كل المسئولية في العجز عن حل مشاكل المصريين الموجودين هناك أو مساعدتهم ولكننا ننسي أو نتناسي أن قدرات هذه السفارات ستظل دائما عاجزة أمام الأعداد المتزايدة من المصريين الذين يرتكبون مخالفات أو جرائم. ولابد في هذا من حلول تأتي من الداخل لحفظ كرامة واسم مصر، فالمواطن المصري الذي يسافر علي سبيل المثال لأداء العمرة ضمن شركة سياحية أو في إطار جماعي يجب أن يكون ملتزما بالعودة إلي الوطن في موعد معين ويجب التنبيه عليه بذلك وانذاره بوضع اسمه علي قائمة الممنوعين من السفر إن تخلف عمدا ولم يقدم لسفارة بلاده أسبابا مقنعة للتخلف وعدم العودة. وليس في هذا قيود علي حرية الأفراد في الحركة والتنقل، فحق السفر مكفول للجميع ولكن السفر لأداء العمرة هو أمر متعلق بغرض معين ومدة محددة ويجب أن يكون في إطار قواعد تنظيمية واضحة تأخذ في الاعتبار احترام حقوق الدولة المضيفة والالتزام بقوانينها وأنظمتها. فكيف يمكن علي سبيل المثال أن تتدخل السفارة المصرية في الرياض للدفاع عن مواطن مصري تعرض لمشكلة أدت إلي احتجازه بالسجن بينما هذا المواطن غير مقيد لديها وهو أيضا غير مقيد في السجلات السعودية كمقيم ويتم التعامل معه كأحد الهاربين الدائمين الذين لا مكان معروف لإقامتهم ولا تصريح لهم بالبقاء ولا يمكن في كل الأحوال الاستدلال عليهم لأن هذا المواطن المصري أصبح مقيما بطريقة غير شرعية ووجب ترحيله في أي لحظة. إن قصصا كثيرة مؤلمة ومفجعة ومخجلة تتكرر كل يوم في الأماكن المقدسة بجوار الكعبة المشرفة والمدينةالمنورة لمصريين يفترشون الشوارع والطرقات ولا يعرف أحد كيف استطاعوا تدبير تكاليف السفر لأداء العمرة أو الحج أو ما الذي يعتقدون أن في استطاعتهم أن يفعلوه لتعويض هذه النفقات والعودة محملين بالأموال والغنائم. ولم يصبح غريبا إزاء هذا الوضع أن يتحمل كل مصري يتواجد هناك عواقب هذه المجموعات من المتسولين والشحاذين وأن يتعامل البعض مع المصريين علي أنهم كلهم سواء وأن هذا هو حالهم وواقعهم وسلوكهم..! ولكننا مع هذا كله نعتب أيضا علي بعض الصحف الخليجية التي نشرت الدراسة السعودية وافردت لها مساحة واسعة وركزت فيها علي أن أغلبية المتسولين من مصر، فالواقع أن مثل هذه الدراسات تنقصها الدقة، وتحديد الأعداد والنسب مسألة مشكوك فيها للغاية والتركيز علي المصريين أمر فيه الكثير من التساؤلات، فالذين زاروا مكةالمكرمة مؤخرا وجدوا أن هناك هجوما من متسولين من دول إفريقية قد اكتسحوا كل أرجاء المدينة ولا يعرف أحد من أين أتوا ومن الذي يقوم بحمايتهم وتشغيلهم، وهؤلاء المتسولون جلبوا معهم أطفالا مقطوعي الأيدي والأرجل يضعونهم بالساعات الطوال في شمس حارقة لاستجداء عطف الناس وجمع أكبر قدر من المساعدات. وأصحاب البشرة السمراء من هذه الجنسيات الإفريقية لم يتركوا فرصة أو مساحة لأي متسول آخر من أي دولة عربية أو غير عربية ومع ذلك لم تأت لهم إشارة في الدراسة السعودية وكان التركيز فقط علي المصريين الذين نشك كثيرا في أن يكونوا بهذه الأعداد أو هذه النسب! إننا ندين كما قلنا تصرف أي مصري يلجأ إلي هذا الأسلوب ولكننا في الوقت نفسه ندين التشهير بالمصريين أو الإساءة إليهم بشكل جماعي كما حاول الخبر الذي لم يكن فقط مسيئا إلينا بل كان أيضا جارحا ومؤلما..! [email protected]