لقد آن الأوان لنركز الانتباه علي افريقيا التي يعتبرها بعض المحللين المواطن الثاني للأسواق الناشئة الصاعدة بعد الصين، وتقول مجلة "نيوزويك" ان هذه القارة التي كان المستثمرون الدوليون يتجاهلونها صارت اليوم تجذب الاهتمام بعد دخول عدد من الدول الافريقية القائدة سوق الانفاق مستفيدة من الايرادات التي تولدت لها بسبب الزيادة في أسعار البضائع والمواد الخام واستخدام هذه الدول لما لديه من ايرادات في موازنة اقتصادها، ولاشك ان تدفقات رأس المال الخاص في الفترة الاخيرة علي افريقيا تجعلنا نتوقع ان تشهد هذه القارة اختراقا اقتصاديا شبيها بالاختراق الصيني وهو أمر لو تحقق فسوف يغير حياة ملايين الافريقيين، ولسوء الحظ فإن كثيرا مما حدث من تقدم لا يزال يتركز في قطاعات ضيقة مثل قطاع استخراج المواد الخام وفي عدد محدود من الدول مثل غانا واوغنداً. والحقيقة ان ارقام الاقتصاد الكلي في افريقيا واضحة الدلالة، فالقارة كلها في صعود وبعد عقود من الأداء المتدني الذي هز الاستقرار الاجتماعي وعمق الفقر فإن معدل النمو الافريقي الذي لم يكن يتجاوز 4% في المتوسط سنويا من عام 1997 حتي عام 2002 قفز إلي 6% سنويا في السنوات الخمس التالية في 2007 وخلال الفترة ذاتها تراجع معدل التضخم من 13% سنويا ليصبح 80% فقط سنويا ولأول مرة حسب ما تعي الذاكرة يحدث توازن معقول في الموازنات الحكومية موازين المدفوعات، اما ما تحتفظ به افريقيا من احتياطيات بالنقد الاجنبي فقد أصبح يغطي وارداتها من السلع والخدمات لمدة ستة شهور بعد ان كان لا يكفي سوي 4 شهور وكذلك الديون الافريقية الخارجية للحكومات والمؤسسات المالية الرسمية تحسنت نسبتها لتصبح 10% فقط من اجمالي الناتج المحلي الافريقي بعد ان كانت تمثل 45% من هذا الاجمالي. والأمر المؤكد أن تحسن الصورة الاقتصادية والمالية يجعل افريقيا اكثر جاذبية للمستثمرين خصوصا في ظل الاضطراب المالي السائد حاليا في البلدان ان الصناعية ولذلك فإن تدفقات رأس المال من المستثمرين الأجانب علي افريقيا زادت 400% خلال السنوات العشر الاخيرة لتصبح 22.5 مليار دولار في عام 2006 حسب ارقام صندوق النقد الدولي، كما ان درجة الملاءة المالية والاقتصادية للعديد من البلدان الافريقية في ارتفاع مستمر والأهم من ذلك هو ما حدث من توسع في الانفاق علي الصحة والتعليم والاسكان وغيرها من الخدمات الاجتماعية. صحيح انه لا يزال الوقت مبكراً لكي نصف افريقيا بأنها الصين الثانية برغم استفادتها الضخمة من الزيادة في أسعار البضائع والمواد الخام والبترول فافريقيا لا تزال تواجه مشاكل كبيرة وعلي سبيل المثال فإن استمرار ارتفاع المخاطر السياسية في افريقيا يمنع المستثمرين الأجانب من الاقدام عليها كذلك فإن المؤسسات الاقتصادية والسياسية الافريقية لا تزال غير ناضجة ولذلك نجد العالم الخارجي لا ينظر إليها بجدية، ورغم ان الفساد يتراجع الا انه لم يتم احتواؤه بعد في العديد من البلدان اضف إلي ذلك ان ضعف المؤسسات السياسية يوجد مشاكل مركبة في بعض البلدان مثلما هو حادث الآن في بلد مثل زيمبابوي. وتقول مجلة "نيوزويك" ان ضعف البنية الاساسية في العديد من البلدان يحد من توسع ونمو القطاع الخاص ويجعل تكلفة أعماله عالية وغير تنافسي، وهذه كلها دون شك مشاكل حقيقية ولكن التغلب عليها ممكن ويكفي أن تدرك الحكومات ان مهمتها الاساسية في تحسين نوعية الحياة للمواطن الافريقي لأن هذا سيفتح الباب أمام اسهام الشركاء الدوليين والاقليميين وسيتيح للمستثمرين الأجانب بالذات فرصة العمل الجادة بالتعاون مع الشركاء المحليين، لقد تحركت إلي أعلي الحدود الدنيا للاقتصاد الافريقي ولكنها لم تصل بعد إلي مرحلة الاختراق التي تسمح برفع مستوي معيشة الناس وعلي افريقيا ان تتمسك بما حققته وتضيف إليه ولا تسمح له أبداً بأن ينتكس.