حين جاءني صوت صديق الأيام د. علي السمان من باريس يخبرني عن اجتماع مجلس القادة الدينيين بالشرق الأوسط وفي مكتبة الإسكندرية، قلت له: "يبدو أن إسماعيل سراج الدين قد استجاب لدعوتي كي يتولي منصب شيخ الأزهر الشعبي بدلاً من المنصب الرسمي"، فضحك علي السمان قائلاً: أنا من رشحته لتلك المكانة، وهنا قلت لعلي السمان: لا داعي أن ترجع إلي صفحات "العالم اليوم" و"صباح الخير" و"نصف الدنيا" كي تقرأ عن حلمي في أن يتولي عالم بعلوم الحياة وفنونها مسئولية التعبير عن الإسلام، وأنني أول من رشحت إسماعيل سراج الدين لهذا المنصب، ولكن عليك أن تسأل إسماعيل سراج الدين نفسه عن تلك الحكاية من أولها إلي آخرها. وحين سألت مكتب إسماعيل سراج الدين عن تفاصيل محاضرته في هذا الاجتماع لم أجد عند حنان منير مديرة مكتبه أي خبر واضح، فقط علمت أنه موجود في باريس في مهمة ما. ولكن جاءني علي الإنترنت موجز لما قاله إسماعيل سراج الدين في مجلس القادة الدينيين بالشرق الأوسط والذي انعقد بمكتبة الإسكندرية. كان أهم ما تميزت به محاضرة إسماعيل سراج الدين حسب الموجز الذي وصلني هو ما يتميز به إسماعيل سراج الدين دائماً وهو "عدم التدليس" فهو كعالم يرصد الواقع ويستشرف منه سبل التغيير، وكيف يكون. ولعل أول ما لفت نظري في محاضرته أنها أوضحت بشكل لا يقبل أي جدل أن مأساة دارفور علي سبيل المثال ليست محصورة في جبروت الحكومة السودانية بقدر ما يسكن أسلوب تأجيج النيران فيها إلي إصرار الدول الكبري علي أن تظل قوات الأممالمتحدة هناك عاجزة عن الحصول علي ثلاث عشرة هيلكوبتر لتوصيل المعونات، علي الرغم من أنه توجد سبعة آلاف طائرة في حلف الاطلنطي. وركز إسماعيل سراج الدين نقده للعولمة في أنها تتجاهل الحقوق البسيطة للإنسان، وتضيف أعباء غير مقبولة علي الفقراء. وأن غياب المساواة وتكافؤ الفرص الاجتماعية في المجتمع الواحد يولد أعلي درجات التنافر بين أعضاء المجتمع الواحد، كما يتم سحق سكان العالم الثالث بواسطة الدول المتقدمة واقتصاداتها. فهناك الملايين الذين يموتون يومياً بسبب الحروب الإفريقية الإفريقية، وتزيد الدول المتقدمة من ترسانتها المسلحة دون أن تقدم ولو جزءاً بسيطاً من تلك الأموال لترفع مستوي التعليم، فضلاً عن المعايير المزدوجة التي تتعامل بها الولاياتالمتحدة ومن ورائها الغرب مع معضلة المشاكل في الشرق الأوسط وهي المشكلة الفلسطينية، فضلاً عن أن سوء توزيع الثروات يؤسس الفقر ويولد الاستعباد، ويجعل عملية الارتقاء بمستويات الحياة المقبولة أمراً صعباً، إلي الدرجة التي فشلت فيها الأممالمتحدة لقطع خطوات لما كانت تحلم به في مقاومة الفقر والجوع علي مستوي الكون، وإذا أضفنا إلي ذلك أساليب الإنتاج الصناعي في دولة كالولاياتالمتحدة، لوجدناها مع الهند والصين تزيد المناخ الجوي سوءا. وأشار إلي مظاهرات الجياع التي تندلع في مختلف انحاء العالم، فيعلن "لا يمكن القبول بحرق غذاء الفقراء لتسيير مركبات الأغنياء". ولم يفت إسماعيل سراج الدين مواجهتنا بعجزنا كعالم إسلامي عن اللحاق بركب التقدم العلمي، حيث لا ننفق علي البحث العلمي ما يستحقه، فضلاً عن العجز الدائم عن دعم القيم العقلانية. وقد تكون محاضرة إسماعيل سراج الدين هي جوهرة تستحق منا العناية والرعاية وحسن الفهم، ولكنها تلقي عبئاً جديداً علي مكتبة الإسكندرية، وهو مسئولية رسم الخطط الكفيلة للخروج بالفقراء من مأزق ادعاء الإيمان وممارسة صناعة الكفر بالجوع والعجز عن الحصول علي الامان.