أصبح من تقاليد مجلس الأعمال المصري - الكندي أن يختار قضية معينة لتكون محوراً رئيسياً لنشاط البعثة التجارية التي يوفدها سنويا إلي كندا، والتي تتكون من شقين: أحدهما حكومي بقيادة أحد الوزراء ومشاركة ممثلي الوزارات الأخري المعنية، وثانيهما قطاع خاص بقيادة المهندس معتز رسلان رئيس المجلس ومشاركة لفيف من رجال الأعمال والخبراء الماليين وممثلي منظمات المجتمع المدني. وقد بدأ هذا التقليد منذ البعثة الثانية للمجلس والتي شاركت فيها فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي وعثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية، وفي السنة التالية كان رئيس الوفد الحكومي هو الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات، وفي البعثة الاخيرة التي عادت من كندا منذ أيام كانت قضية التعليم والبحث العلمي هي المحور الرئيسي وبالتالي كان الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي والبحث العلمي هو رئيس الوفد الرسمي بمشاركة عدد من رؤساء الجامعات الحكومية والخاصة وعمداء الكليات والأساتذة الجامعيين المرموقين، ومثلما شارك الدكتور زياد أحمد بهاء الدين في بعثة عام 2007 بصفته المسئول الأول عن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة وقتها، شارك في بعثة 2008 خليفته عصام رجب الرئيس الحالي للهيئة، والذي كان خير خلف لخير سلف. واختيار قضية التعليم والبحث العلمي لتحتل هذه المكانة في بعثة 2008 يطرح سؤالين: الأول: لماذا التعليم والبحث العلمي دون سائر القضايا؟!! والثاني: لماذا كندا؟ إجابة السؤال الأول تنتمي إلي البديهيات، لأنه من الواضح ان انهيار منظومة التعليم المصرية، عموما وبكل مستوياتها ومراحلها، هو الجذر الرئيسي للمشاكل التي نعاني منها سواء في السياسة أو الاقتصاد او قضايا المجتمع المركزية. كما أنه اصبح من المسلم به أن إصلاح التعليم وإعادة الاعتبار إلي البحث العلمي شرط مسبق للتحرك الجاد عن طريق الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وبدون ذلك لا معني للحديث عن أي إصلاح. وهذا يعني أن قضية التعليم تفرض نفسها وأن مجلس الأعمال المصري - الكندي قد أحسن صنعا بالتقاطه لهذا الخيط في هذه اللحظة بالذات. ويبقي السؤال الثاني: لماذا نطلب العلم ولو في كندا؟! وما علاقة ذلك بمجلس اهتمامه الأول هو البيزنس؟! الإجابة تستلزم - أولاً - القاء نظرة علي واقع التعليم في كندا التي نقطع بحاراً ومحيطات لنطلب مساعدتها لنا في تطوير منظومتنا التعليمية. وبهذا الصدد توجد حقائق أساسية لخصها لنا زميلنا الأستاذ السيد الهادي رئيس المكتب الصحفي المصري في أوتاوا في ورقة ممتازة نتبين منها أن التعليم الابتدائي والثانوي يقدم مجانا لجميع المواطنين الكنديين، والمقيمين الدائمين من غير الكنديين أيضا، حتي نهاية المرحلة الثانوية، ولا توجد وزارة فيدرالية مسئولة عن التعليم بل لا يوجد حتي نظام موحد للتعليم علي المستوي القومي، حيث يعطي الدستور الكندي الحق لكل مقاطعة واقليم في التشريع لقضايا التعليم، وتمثل الادارة المحلية للتعليم عادة في المجالس المدرسية أو مناطق المدارس ويتم انتخاب أعضاء هذه المجالس بالاقتراع العام، وهناك ما يقرب من 15 الف مدرسة ابتدائية وثانوية في كندا التي لا يزيد عدد سكانها علي 33 مليون نسمة، بمتوسط حوالي 351 طالبا في المدرسة. أما التعليم العالي ما بعد الثانوي فإنه متاح من مؤسسات مدعومة من الحكومة ومؤسسات خاصة، وتتمتع الجامعات الكندية بحكم ذاتي إلي حد كبير حيث تتمتع بالاستقلالية فهي التي تحدد معايير القبول الخاصة بها وشروط الحصول علي الدرجات العلمية. كما أن لديها مرونة كبيرة في إدارة شئونها المالية والبرامج التي تقدمها. أما في المعاهد فإن مشاركة الحكومة أوسع، حيث تتدخل في سياسات القبول والموافقة علي البرامج والمناهج الدراسية والتخطيط المؤسسي وظروف العمل. ولدي أغلب المعاهد مجلس أمناء معينين بواسطة حكومة المقاطعة أو الاقليم بمشاركة ممثلين من المجتمع والطلاب والمعلمين. ويضم التخطيط لبرامج هذه المنظومة التعليمية مدخلات من قطاع الأعمال والصناعة وممثلي العمال في اللجنة الاستشارية لكل معهد. من ناحية أخري تستخدم أجهزة الكمبيوتر في 99% من المدارس الابتدائية والثانوية بمتوسط حوالي 72 جهاز كمبيوتر في المدرسة، ومتوسط 5 طلاب علي كل كمبيوتر. وأصبحت كل المدارس الكندية متصلة بالإنترنت منذ عام 2003. كما تستخدم التكنولوجيا علي مستوي واسع في مؤسسات التعليم العالي لتقديم المعلومات والتسجيل والمساعدات المالية وتقديم البرامج التعليمية والمكتبات. وإلي جانب المدارس والجامعات تنتشر في كندا "مراكز للتميز" سواء لكبار العلماء، أو شباب العلماء، أو شباب الباحثين في الجامعات الذين تعطيهم المقاطعات تمويلا لتحويل أفكارهم البحثية إلي مشروعات صغيرة ومتوسطة تدخل في "حضانات" تكنولوجية في شتي المجالات. كما تنتشر أيضا مراكز الابتكار.