البعثة التي أوفدها مجلس الأعمال الكندي المصري إلي كندا، منذ الاثنين الماضي، والتي اختتمت أنشطتها أمس، ليست أول بعثة تجارية مصرية، فقد سبقتها وفود كثيرة ذهبت إلي مشارق الأرض ومغاربها، وقامت ب "طرق الأبواب" و"القفز من الشبابيك" هنا وهناك، وحقق بعضها نتائج إيجابية بدرجة تزيد أو تقل، وعاد بعضها الآخر ب "خفي حنين". الجديد مع بعثة كندا والتي رافقتها الزميلة نجلاء ذكري نائب رئيس تحرير الأهرام والزميل محمد الهواري نائب رئيس تحرير "الأخبار"، فضلاً عن كاتب هذه السطور، انها، في حدود علمي، أول بعثة تشترك فيها الحكومة مع ممثلي القطاع الخاص من رجال الأعمال، أو أول بعثة تكون فيها "الشراكة" بين الحكومة والقطاع الخاص بهذا القدر غير المسبوق من التنسيق والتكافؤ والكفاءة والتساند الوظيفي. وعلي غير العادة.. لم يكن اسهام الحكومة بيروقراطيا أو شكلياً، وإنما كان تمثيلاً حقيقياً، وعلي أعلي مستوي، من خلال وزيرين من الحكومة هما فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي وعثمان محمد عثمان وزير التخطيط والتنمية المحلية، ومعهما السفير عمرو مصطفي كمال حلمي ممثلا عن وزارة الخارجية، والدكتور صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وعضو مجلس الشوري، وأحمد الخادم رئيس هيئة تنشيط السياحة، ووفاء صبحي إبراهيم وكيل أول الوزارة ورئيس المكتب الفني بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وشاهين سراج الدين رئيس بنك التنمية الصناعية. هذا الجانب الحكومي الرسمي، الذي يضم شخصيات مسئولة مرموقة ورفيعة المستوي ومتنوعة الاختصاصات والمسئوليات، يشكل نصف المشهد الذي تجسد نصفه الآخر في كوكبة من رجال الأعمال برئاسة المهندس معتز رسلان رئيس مجلس الأعمال الكندي المصري. وهذه النخبة من رجال الأعمال تميزت بثلاث سمات: الأولي: سمة متعلقة ب "الكم"، حيث وصل عدد المشاركين في البعثة هذا العام ضعف العدد المشارك في بعثة العام الماضي. الثانية: سمة متعلقة ب "الكيف"، حيث تميزت بالتنوع وغطت قطاعات متعددة في العمل الاقتصادي والتجاري. الثالثة: أن معظم الاسماء لشخصيات خارج دائرة العدد المحدود من رجال الأعمال الذي استحوذ خلال السنوات الماضية علي الأضواء والتحدث باسم مجتمع البيزنس في مصر، وجاء دخول أسماء جديدة ظلت سنوات طويلة قابعة في الظل أو جالسة علي الخطوط الجانبية ليعطي حيوية لجماعة رجال الأعمال التي أصابها التكلس شأنها شأن معظم الأشياء والمؤسسات والفئات في مصر.. ولعل صعود شخصيات من الصف الثاني أن يكون بادرة لتجديد الدماء والأفكار والرؤي والقيادات في القطاع الخاص بعد أن أصابته عدوي كثير من أمراض الحكومة لأسباب كثيرة ليس هذا مجال الحديث عنها. والأهم من هذه الطبيعة "المختلطة" للبعثة أن هذه التركيبة غير المألوفة لا يمكن الحديث عنها كما لو كانت وفداً للقطاع الخاص بقيادة حكومية. فواقع الحال الذي تجسد علي الأراضي الكندية "شراكة مصرية" كفء ومتكافئة بين ممثلي الحكومة ورموز القطاع الخاص. وربما يعود بعض الفضل في ذلك إلي مزايا شخصية للوزيرين اللذين مثلا الحكومة في هذه البعثة حيث لم يفرضا حضورهما ب "فرمانات" وزارية أو بحكم سلطة الكرسي الوزاري الذي يجلسان عليه، وإنما من خلال قدرتهما علي الإقناع ومد جسور التفاهم والتحلي بفضيلة الاصغاء والاستماع إلي الآراء والاقتراحات والانتقادات، فضلاً عن بذل الجهد الشاق والمضني الذي لم نألفه من أباطرة البيروقراطية. ويكفي أن نتذكر أن السفر من القاهرة إلي كندا رحلة شاقة تستغرق أكثر من ثلاث عشرة ساعة متصلة. وما كدنا نفرغ حقائبنا في تورنتو حتي أعدنا إغلاقها بعد ليلتين للسفر بالطائرة إلي العاصمة أوتاوا التي بقينا فيها ليلة واحدة، شددنا بعدها الرحال بالأتوبيس إلي مونتريال لقضاء ثلاث ليالٍ. وفي كل من المدن الثلاث كان في انتظار البعثة جدول مكدس بالاجتماعات الثنائية ومتعددة الأطراف. وإذا كان مظهر الدكتور عثمان محمد عثمان وبنيته التي تبدو من الظاهر قوية تبعث علي الاعتقاد بقدرته علي احتمال هذا الشقاء، فإن المواصفات الأنثوية للوزيرة فايزة أبو النجا كانت تدعو للاشفاق عليها من هذا الجهد الفظيع، لكن المفاجأة أنها قامت به والابتسامة تعلو شفتيها! وكان أداؤها رغم هذا الاجهاد المريع إيجابياً ورشيقاً جعلها موضع إعجاب الكنديين وفخر المصريين.