أكد فتحي ياسين الخبير المصرفي البارز ورئيس بنك التجاريين سابقا والذي يعد شاهد عيان علي العديد من المراحل التاريخية للقطاع المصرفي في مصر في حواره مع "الاسبوعي" ان مواجهة التضخم تستلزم ان تفيق البنوك من غفلتها وان تعود الي دورها الحقيقي في التنمية ليس فقط في تمويل المشروعات بل وايجادها.. اضاف ان فرض ضرائب علي اذون الخزانة والسندات ستمثل صحوة للبنوك التي انخرطت في استثمار سيولتها في هذه الادوات وتناست تمويل المشروعات التي تهم الاقتصاد القومي: *كيف تري الدور الذي يقع علي عاتق البنوك لمواجهة ازمة التضخم؟ ** ازمة التضخم في مصر لا يمكن ان يتم حلها من خلال رفع اسعار الفائدة فقط او خفضها فهي احدي الوسائل ولكن يبقي الدور الاكبر الذي يجب ان تلعبه البنوك وهو زيادة الانتاج والقيام بدوره الحقيقي في تمويل المشروعات الانتاجية ليس ذلك فقط بل وايجاد مشروع في حد ذاته وتبنيه حتي ميلاده ونموه ثم من الممكن ان يتم بيعه في وقت لاحق لان المشروعات التي يحتاجها الاقتصاد القومي لا يمكن ان يحددها الا البنوك وكما قادت البنوك التنمية في نهاية حقبة الثمانينيات ينبغي ان تعي ان هذا الدور قد حان الان وحتي لو كانت بعض المشروعات قد فشلت في هذه الفترة فهذا لا يعني ان جميع المشروعات باءت بالفشل فهناك مشروعات ضخمة مازالت باقية ويكفي ان نتذكر شركات ضخمة مثل السويس للاسمنت وغيرها من المشروعات الضخمة التي اسهمت في تجديد شرايين الاقتصاد المصري. الكوريدور * ولكن المشكلة "ان البنوك مهتمة بصورة كبيرة بالية الكوريدور كقناة استثمارية مهمة.. فكيف تري ذلك؟ ** للأسف البنوك في مصر جعلت الكوريدور هدفا وغاية واخرجته عن مفهومه وهدفه والذي لا ينبغي بأي حال من الاحوال ان يتجاوز كونه احدي الادوات المستخدمة في امتصاص فوائض السيولة لدي البنوك لفترة مؤقتة ولكن لا يمكن ان يفي بمفرده بهذه المهمة بل ينبغي تنويع محفظة الاستثمار تطبيقا للمثل القائل "لا تضع البيض في سلة واحدة". * هل تري ان قرار فرض ضرائب علي أذون الخزانة والسندات عادلا؟ ** المتضرر الرئيسي من القرار هو البنوك لانها كانت تعتبر هذه القنوات قبلة لها في توظيف السيولة لديها وعلي الرغم من ذلك فان القرار يعتبر "قرصة ودن" للبنوك حتي "تفيق" وتعود الي دورها التنموي من خلال زيادة الانتاج وتمويل مشروعات تعمل في ايجاد نمو حقيقي في الاقتصاد القومي. * التجزئة المصرفية باتت هوسا تعاني منه البنوك في الآونة الأخيرة.. فكيف تري آثار ذلك؟ ** الحقيقة ان التجزئة المصرفية بدأت وتنامت بسرعة كبيرة اكبر من استيعاب الشارع المصري فنحن لسنا شعبا مرفها لدرجة ان نتبني التجزئة المصرفية بمفهومها الحالي، فنحن ما زلنا شعبا استهلاكيا وبحاجة الي الانتاج الذي للأسف تناسته الكثير من البنوك الامر الذي اسهم في ميلاد ما يسمي "التضخم الركودي" وهو تضخم الاسعار المصحوب بارتفاع معدلات البطالة ولا يمكن التخلص من ذلك الا بانتاج لزيادة المعروض وزيادة فرص العمل فالتجزئة المصرفية بمفردها الان تساعد في ايجاد التضخم لانها تجعل المجمتع اكثر استهلاكا فالبنوك بدأت تفكر في وسائل اخري لتوظيف السيولة فكان البديل هو هذه النوعية من القروض الاستهلاكية وهي وسيلة متبعة في العديد من بلدان العالم، ولكن الوضع في مصر مختلف عن تلك البلدان التي وصلت الي مرحلة الرفاهية، ولديها اقتصاد قوي، حيث يجب علي البنوك ان تتجه الي الاستثمار في الموارد الحقيقية، وان توظف اموالها فيما يفيد الاقتصاد المصري النامي، سواء في الصناعة ام الزراعة ام التجارة، لان هذه القطاعات هي اساس تقديم اي اقتصاد وطني، ولا توجه اموالها الي قروض استهلاكية وليست انتاجية تعمل علي ارتفاع التضخم وتغذي الطموحات الزائدة لدي المواطنين وتحول المجتمع الي استهلاكي. حصة الأجانب * ما رأيك في تزايد حصة الاجانب في القطاع المصرفي خصوصا مع بيع بنك القاهرة؟ يجب ان نعرف جميعا ان البنوك الاجنبية افادت القطاع المصرفي قطاع تكنولوجيا المعلومات وفي تطبيق افضل نظم الادارة الا انها وبأي حال من الاحوال ينبغي ألا تتجاوز الخطوط الحمراء وتزيد حصتها بهذه الصورة المخيفة ففي جميع دول العالم مازالت الدول تحرص علي ان تحافظ علي حصة حاكمة في القطاعات الاكثر حساسية ومنها القطاع المصرفي، حتي لو كان الامر يتعلق بالولايات المتحدةالامريكية، وهي معقل الاقتصاد الحر ويكفي ان نري الآن البنوك اللبنانية والخليجية تسيطر علي الحصة الاكبر في القطاع المصرفي كذلك فإن خصخصة بنك القاهرة سيترتب عليه خفض حصة البنوك العامة الي 41% من حجم السوق المحلية وخفض حصة البنوك المصرية عموما من مستواها الحالي البالغ 70% وسيترتب علي ذلك ارتفاع نصيب البنوك الاجنبية بحيث يمكن ان تسيطر علي نصف السوق المصرية علي الاقل خلال سنوات قلائل لان معدل نموها اكبر بكثير من معدل نمو البنوك الاخري نظرا لما تقدمه من خدمات مربحة تجتذب كثيرا من العملاء حتي ولو كانت غير ضرورية ولا تتفق مع احتياجات النمو الاقتصادي في مصر وللأسف "المركزي" يدعم زيادة حصة الاجانب. * ظهرت في القطاع المصرفي ظاهرة اختطاف العمالة بين البنوك ما تعليقك؟ ** لم يكن القطاع المصرفي يعرف هذه الظاهرة من قبل بل كانت اجواء من الحب والاحترام تسود بين البنوك العاملة في السوق، وكان الموظف اذا اراد الانتقال من بنك اخر في صورة اتفاق ودي بين البنوك والوضع الان اصبح اكثر خطورة ولابد من ايجاد حل له يعيد اواصر الاحترام التي سادت في القطاع المصرفي المصري خلال السنوات الماضية. * الحروب السعرية بين البنوك علي اشدها علي اساس اسعار الفائدة وليس علي اساس جودة المنتج فكيف تري ذلك؟ ** هي منافسة بأي حال من الاحوال وعلي الرغم من مساوئها الا انها ساعدت في تقليص الفجوة بين اسعار الفائدة علي الودائع والقروض، وهي من الامور التي تمثل مشكلة كبيرة في القطاع المصرفي مقارنة بدول العالم وعلي الرغم من ذلك فانها مازالت تحتاج الي مزيد من الترويض للعودة بها عن جنوحها.