حتي وهي تمثل دور المستثمر الساذج في أسواق المال العالمية استطاعت الصناديق السيادية أن تعالج بعض الجراح التي صنعتها أزمة سوق العقارات الأمريكية فصناديق الاستثمار السيادية كما هو معروف صناديق حكومية ومع ذلك فقد كانت هي التي انقذت بنوك وول ستريت وساعدتها علي مواجهة آثار أزمة الائتمان الراهنة ولكن هذا جعل الحكومات الغربية تشعر بالخوف منها وتقول مجلة "تايم" إن الحكومات الغربية تشعر أن صناديق الاستثمار السيادية الممتدة من أبو ظبي إلي بكين والممتلئة باحتياطيات متضخمة من النقد الاجنبي ناجمة عن أرباح البترول والغاز يمكن أن تخفي في عملياتها المالية أهدافاً سياسية سيئة! والحقيقة أن هذه مخاوف يسهل ادمانها في ظل عدم الشفافية الذي تتسم به أعمال الصناديق السيادية ومع ذلك فإن هذا التفكير التآمري لم يكن مجديا في التعامل مع صندوق المعاشات الحكومي النرويجي المخصص للاستثمار في الاصول العالمية فهذا الصندوق يبلغ حجم احتياطياته 382 مليار دولار حسب أرقام نهاية مارس الماضي ويعد ثاني أكبر صندوق استثمار سيادي في العالم بعد صندوق استثمار أبو ظبي الذي تبلغ احتياطياته 875 مليار دولار والصندوق النرويجي الذي بني احتياطياته من أرباح البترول والغاز النرويجي صار يمتلك الآن حصصا متفاوتة الحجم في 7 آلاف شركة من جوجل إلي مان ساكس ومن دويتش بوست إلي بتروتشاينا والأمر المدهش أن الصندوق النرويجي صار يمتلك الآن 1% من إجمالي سوق الاسهم الأوروبية ونحو نصف في المائة من إجمالي سوق الاسهم العالمي. وبرغم قوة عضلاته الاقتصادية فإن صندوق الاستثمار السيادي النرويجي لا يزعج أحدا لأنه يتمتع بدرجة غير عادية من الشفافية فمديرو الصندوق يصدرون تقريرا سنويا يؤكد تركيزهم علي العوائد المالية لا السياسية لما يقوم به من استثمارات وبجانب ذلك فإن البنك المركزي النرويجي هو الذي يدير أعمال الصندوق أما دور الحكومة ازاءه فهو محدود حيث تكتفي الحكومة بوضع المعايير العريضة للاستثمار ثم تقييم الأداء المالي والقيمي للصندوق وبهذه المواصفات صار الصندوق السيادي النرويجي هو النموذج الذي يجب أن تحتذيه كل الصناديق السيادية المماثلة. وفي دراسة صدرت أخيرا عن معهد بترسون الأمريكي للاقتصاديات الدولية حصل الصندوق النرويجي علي 100% في الشفافية والمحاسبة وقواعد الادارة في حين حصلت شركة الاستثمار التابعة لحكومة سنغافورة علي 40% فقط أما هيئة استثمار أبو ظبي فلم تحصل إلا علي 2% من الدرجات في المجالات الثلاثة. وتقول مجلة "تايم" إن هذه السمعة الجيدة التي حققها الصندوق النرويجي ترجع إلي التزامه باخلاقيات الاستثمار والتزاما منه بالارشادات التي حددها منذ عام 2004 بدفع الصندوق الشركات التي يساهم فيها إلي الاستثمار فيما يعزز حقوق الإنسان وخصوصا في مجال منع تشغيل الاطفال والاهتمام بسلامة البيئة ويري الصندوق أن هذه المسئولية الاجتماعية والبيئية هي التي ستضمن عوائده المالية ففي مجال حقوق الطفل يري الصندوق أن حرمان الاطفال من المدرسة واجبارهم علي الكسب مبكرا يجعلهم في المستقبل حين يكبرون عمالاً أقل إنتاجية ومهارة وإذا كان المستخدم الراهن سيستفيد منهم كعمالة رخيصة فإن المستخدم المستقبلي سيخسرهم كعمالة ماهرة وهكذا ينظر الصندوق للمشكلة من الزاويتين الاخلاقية والاقتصادية معا ويؤكد ان سلوك شركة ما قد يؤثر سلبا علي ربحية شركة أخري في المستقبل علي حد تعبير ينجفي سلينجستاد الرئيس التنفيذي للهيئة المنوط بها إدارة الصندوق تحت اشراف البنك المركزي النرويجي. ويعمل مع سلينجستاد فريق يضم 188 شخصاً منهم 11 خبيراً مهمتهم فحص قضايا إدارة الشركات لضمان حقوق الصندوق كحامل رئيسي للاسهم وفي العام الماضي اتصل الصندوق بالعديد من الشركات التي يساهم فيها وتقوم بنشاط زراعي في الهند طالبا منهم الامتناع عن استخدام عمالة الاطفال وهناك محادثات مماثلة بين الصندوق للنرويجي وبين عدد آخر من شركاته في قطاع المناجم وصناعة الصلب بالبرازيل وقد أرسل الصندوق إلي مجالس إدارة نحو 30 شركة دراسة أعدها ونشرها بمساعدة اليونيسيف من أجل حماية حقوق الاطفال وطلب من الشركات الاسترشاد بهذه الدراسة. ولا يتردد الصندوق في سحب استثماراته من أي شركة مهما كانت كبيرة إذا ما خالفت القواعد الاخلاقية التي يضعها للاستثمار ومنذ عام 2002 سحب الصندوق استثمارات قدرها مليار دولار كان يضعها في نحو 27 شركة تبين أنها مخالفة للقواعد وفي عام 2005 علي سبيل المثال سحب حصته في شركات BAE.