كانت المرة الأولي التي لا يتطرق فيها عباس إلي ذكر كلمة "الانقلاب" في معرض الاشارة الي ما قامت به حماس في غزة قبل منتصف يونيو 2007 عندما أعلن الاربعاء الماضي عن مبادرة الحوار الوطني الذي يعيد توحيد الصف الفلسطيني علي أرضية الوحدة الوطنية. ورغم ذلك سرت مخاوف لدي البعض من أن تتلاشي الآمال فيما لو دخلت أطراف خارجية علي الخط وهو ما حدث بالفعل إذ سارعت وزيرة الخارجية الامريكية وهاتفت عباس مطالبة إياه بتوضيح ما اعلنه لا سيما بعد أن غابت عن دعوته توصيفات الانقلاب الذي قامت به حماس وحديثه السابق عن أن لا حوار مع هؤلاء القتلة الارهابيين. * لا لتجاوز الخطوط الحمراء رايس أخذت علي عباس موقفه الجديد الداعي الي التواصل مع حماس وهو ما تعتبره إدارة بوش خطا أحمر لا يمكن له تجاوزه ومن ثم خرج المتحدث بلسان البيت الابيض ليقول بأن عباس أكد لرايس بأن عرضه للحوار لم يأت مجردا من الشروط التي فرضها من قبل وأولها عودة حماس عن الانقلاب الذي قامت به. وسارع الفريق المحيط بعباس من شلة المنتفعين أمثال صائب عريقات، ياسر عبدربه ليرددوا تصريحات تؤكد العودة ثانية الي منظومة التصريحات السابقة التي تشترط علي حماس اعادة الامور الي ماكانت عليه قبل احداث يونيو 2007 علي اساس ان الحوار مشروط بذلك حتي لا يتم الجلوس علي مائدة الحوار للتغطية علي الانقلاب وتكريس الأمر الواقع. إذ إن الهدف هو إعادة توحيد السلطة لإجراء انتخابات مبكرة وحل المشاكل الناجمة عن الانقسام بما فيها وحدة الأجهزة الامنية وفق النظام والقانون. وبذا يكون مطلوبا من حماس انهاء السيطرة الامنية علي كل المقرات في القطاع والاتفاق علي موعد لانتخابات مبكرة رئاسية وتشريعية. * يافرحة ما تمت.. لقد وضح أن الموضوع له أبعاد دولية واقليمية ولا يقتصر علي الجانب الفلسطيني ولهذا سارع مسئولو السلطة الفلسطينية بالحديث عن أن مبادرة عباس ترتكز علي ضرورة وجود جهد عربي وقوة عربية لحماية الأمن في غزة وتوفير شروط التهدئة وشروط بناء الأجهزة الأمنية والالتزام بتوحيد السلاح الفلسطيني. وأن مصر من الممكن أن تقوم بدور في هذا الحوار بوصفها راعية لحوار التهدئة والمصالحة بين الطرفين. وهكذا عادت الامور أدراجها إلي ما كانت عليه من قبل وهو ما حدا ببعض من تفاءلوا خيرا بمبادرة عباس الي أن يرددوا "يافرحة ما تمت". لقد عولوا علي المبادرة ورأوا أنها جديرة بالاعتبار وخطوة من شأنها اعادة اللحمة وانهاء الانقسام الداخلي علي قاعدة رعاية مصالح الشعب الفلسطيني للحفاظ علي حقوقه وثوابته بعيدا عن أية شروط تعجيزية ولكن خاب فألهم. * المطلوب تغليب لغة الحوار.. بل ان البعض رأي أن دعوة عباس للحوار تمثل خطوة علي الطريق لانهاء الأوضاع المتردية التي تعيشها الساحة الفلسطينية وان الدعوة إذا طبقت علي أرض الواقع ستعني انتصارا حقيقيا لإرادة التحرير وهزيمة منكرة للمشروع الامريكي الصهيوني. وأن المباردة من شأنها دفع الطرفين الي البدء في حوار وطني فلسطيني شامل بناء علي ما جاء في اتفاق القاهرة ووثيقة الحوار الوطني واتفاق مكة وإعلان صنعاء حيث إن قوة الشعب الفلسطيني تكمن في وحدته ومن ثم لابد من تغليب لغة الحوار علي مسببات الفرقة والخلاف. * تراجع عباس.. ولعل الانطباع الاول الذي عكسته المبادرة هو جرأة عباس وشجاعته، فمنطوقها كان يعني للوهلة الاولي الخروج عن التبعية الكاملة لأمريكا، وكان يعني ايضا تحديا لإسرائيل ومن هنا انبري من يتساءل هل ما طرحه عباس يمثل إفاقة حقيقية وهل سيظل متشبثا بإعلان الحوار غير المشروط مع حماس أم أنه قد يتراجع أمام الضغوط الأمريكية؟ ولم يغب الجواب طويلا فما إن طرحت المبادرة حتي استدرك عباس ما سبق وقاله وعاد ادراجه الي ما كان يردده من قبل من ضرورة رجوع حماس عن انقلابها كشرط للدخول معها في حوار.