يدور نقاش غاضب هذه الأيام بين الأحزاب الألمانية حول خفض الضرائب، فألمانيا يحكمها تحالف كبير يضم الحزب المسيحي الديمقراطي، وهو حزب يمين الوسط، إلي جانب الحزب الاشتراكي الديمقراطي وهو حزب اليسار، ورغم أن معظم نواب الحزب المسيحي الديمقراطي في البوندستاج "البرلمان" يؤيدون فكرة خفض الضرائب، فإن كورت بيك رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي أعلن أن حزبه سيعد لائحة خفض ضريبي خاصة به، إلي جانب ذلك فإن هناك ممن يرون التعجيل بإجراء الخفض الضريبي بينما هناك آخرون يريدون التروي في ذلك، ووسط هذا الشجار تسعي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تنتمي إلي الحزب المسيحي الديمقراطي، ووزير المالية بير شتاينبروك الذي ينتمي إلي الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلي إجراء مصالحة بين الأطراف المتنازعة، وكل همهما هو تحقيق وعدهما بعودة التوازن إلي الميزانية الألمانية بحلول عام ،2011 وذلك فإنهما وبالذات الوزير شتاينبروك من أنصار تأجيل خفض الضرائب. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الشجار اشتعل بسبب رغبة حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي الشقيق البافاري للحزب المسيحي الديمقراطي في خفض عاجل للضرائب، فالانتخابات العامة في بافاريا ستجري في سبتمبر القادم، والحزب يخشي أن يفقد سلطته في هذه الولاية التي استمر يحكمها قرابة نصف قرن متصل، ولذلك اقترح حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي خطة لخفض الضرائب تتيح للعمال ذوي الدخل المتوسط والمنخفض نصيبا أكبر من صافي الأجور، وأن يبدأ تنفيذ هذه الخطة اعتبارا من العام القادم، وهي خطة تتكلف 28 مليار يورو "43 مليار دولار" حتي عام ،2012 وقد بدأ نواب الحزب البافاري في البوندستاج يضغطون من أجل سرعة خفض الضرائب، وأعلن ميشيل جلوز وزير الاقتصاد وهو منتم لحزب الاتحاد المسيحي البافاري أن هدف القضاء علي عجز الموازنة ليس هدفا مقدسا ليكون أول وزير يصرح بهذا القول المناقض لموقف ميركل ووزير ماليتها الاشتراكي. والحقيقة أن هناك عوامل سياسية وأخري اقتصادية تؤثر في فكرة خفض الضرائب، فالانتخابات الألمانية العامة ستعقد في سبتمبر من العام القادم ،2009 وكل من حزبي التحالف الكبير يخطط للفوز بأغلبية تمكنه من الحكم بمفرده في هذه الانتخابات، وتعتبر ورقة الضرائب من الأوراق المهمة في هذه المعركة، وتقول الأرقام إن إيرادات الضريبية زادت 10% في عام 2007 بعد فرض ضريبة المبيعات، وبسبب معدلات النمو العالية التي يحققها الاقتصاد، ففي الربع الأول من العام الحالي كان معدل نمو الاقتصاد الألماني 6% سنويا، وهي نسبة لم تتحقق منذ 12 عاما، ولكن فائدة هذا النمو لم تعم علي كل الألمان وهذا هو السبب في الإلحاح علي فكرة خفض الضرائب علي العاملين خصوصا أن الحكومة قد أعلنت رسميا يوم 19 مايو الماضي أن أكثر من 12% من الألمان يعيشون تحت خط الفقر حسب أرقام 2005 الذي بدأ فيه الازدهار الاقتصادي، ولا شك أن فرض ضرائب علي الأثرياء هو هدف اليسار، كما أن تخفيفها علي المواطن العادي أمر لا يمكن أن يقوم به اليمين. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الألمان لديهم ما يجعلهم يحتجون علي جشع الحكومة، فمن 2004 حتي 2007 جمعت الحكومة ضرائب إضافية قدرها 91 مليار يورو "140 مليار دولار" أما صافي دخل العمال فلم يرتفع إلا بمقدار 18 مليار يورو "28 مليار دولار" حسب أرقام اتحادات الشركات الألمانية، ومع ذلك فتجدر الإشارة إلي أن الضرائب في ألمانيا أخف من مثيلتها في البلدان الأوروبية الأخري مثل السويد "50% من إجمالي الناتج المحلي عام 2006" وفرنسا "45%"، وإيطاليا "43%"، وبريطانيا "38%"، وإسبانيا "37%" أما ألمانيا فهي "36%"، بينما تهبط في الولاياتالمتحدة إلي "28%" فقط من إجمالي الناتج المحلي بتقديرات عام ،2006 ولكن عيب الضرائب الألمانية أنها تأكل من الأجور وبالذات الأجور المتوسطة والمنخفضة أكثر مما تأكل من الأثرياء، صحيح أن الضريبة علي الأثرياء تصل إلي 45%، ولكن نسبتها علي الاجور 42% أيضا كما أن اجور العمال لا تتجاوز 4.1 مرة قدر العبء الضريبي أكثر من ذلك فإن معظم الدول تعيد النظر آليا في الضرائب مع ارتفاع معدلات التضخم، ولكن ألمانيا لا تفعل ذلك، وهذا يظلم ذوي الدخول المحدودة. وعموما فإن الحكومة الألمانية تحاول القضاء علي عجز الموازنة مع جعل النظام الضريبي في نفس الوقت دافعا للنمو وزيادة معدلات التشغيل، وفي هذا الإطار جاءت ضريبة المبيعات في العام الماضي مثلما تأتي محاولات الحكومة لخفض الإنفاق العام منذ عام 2004 حتي الآن، ولكن هذه الإجراءات البطيئة لا تعجب السياسيين الذين يريدون خفض الضرائب بسرعة لضمان الفوز في الانتخابات، وذلك نجد أن حزب الاتحاد المسيحي البافاري يريد خفض أول شريحة ضرائبية من 15% لتصبح 12% فقط حتي لو اقتضي الأمر زيادة الحد الأقصي علي الدخول المرتفعة. ويبدو أن التركيز علي خفض الضرائب قد تكون له دلالة أخري وهي ضجر الألمان من دولة تحصل علي هذا القدر الكبير من دخولهم في صورة ضرائب، وعموما فأن الخبراء يرجحون أن تلجأ الحكومة الألمانية إلي خفض الضرائب قبل الانتخابات العامة القادمة مع الاستمرار في محاولتها لتحقيق الهدف الآخر الذي تسعي إليه وهو القضاء علي عجز الموازنة عام 2011 ولكن سيكون علي الحكومة في كل الأحوال أن تعمل بجد في المجال الاقتصادي خلال العامين القادمين.