أخيرا تم انتخاب الرئيس "ميشيل سليمان" الرئيس الثاني عشر للبنان بعد أن ظل كرسي الرئاسة شاغرا منذ 24 نوفمبر الماضي مع انتهاء ولاية "إميل لحود".. لقد تزامن انتخاب "ميشيل سليمان" مع الذكري الثامنة لانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في 25 مايو سنة ،2000 وكأنما أريد بذلك تتويج حزب الله وتذكير العالم كله بالانتصار الذي حققه علي إسرائيل عندما أجبرها علي الانسحاب بليل من جنوب لبنان في 25 مايو سنة 2000. اتفاق سياسي متوازن يحمد لاتفاق الدوحة الذي وقع في الحادي والعشرين من مايو الحالي إلي أنه هو الذي قاد وبسلاسة إلي انتخاب رئيس الجمهورية اللبناني، فالاتفاق سياسي ومتوازن ومهم والأمل أن يؤدي إلي حل نهائي بعد أن قام بتحريك الساكن وجري انتخاب رئيس الجمهورية والاتفاق علي تشكيل حكومة وحدة وطنية مع إعطاء المعارضة الثلث الضامن والاتفاق علي قانون الانتخاب وتقسيمات انتخابية تناسب المعارضة. ويتبقي أن تترجم بنود الاتفاق علي أرض الواقع بما يؤسس للتعاون بين جميع الفرقاء وأن يجري تفعيل دور رئيس الجمهورية في ترسيم حدود التوازن بين الدولة والمعارضة من خلال رعايته للحوار الذي يقضي بتعزيز سلطة وسيادة الدولة علي جميع الأراضي اللبنانية ليتمكن الاتفاق من الوقوف علي قدميه. انتصر منطق الحوار قد انتصر منطق الحوار علي منطق القوة باتفاق الدوحة وبالتالي فإن قطر بذلك حققت انجازا رائعا لا يمكن انكاره أو التهوين من قدره. ويكفي أن أمريكا فشلت وتراجعت وهي التي حاولت أن تفرض وصايتها علي لبنان وكان السبب في فشلها نهج التحريض الذي اتبعته وتعبئة الموالاة بكراهية المعارضة وإثارة الأحقاد ضد ضدها. وفشلت فرنسا هي الأخري في احراز أي نجاح بالنسبة للوضع في لبنان لأنها اتبعت نهج أمريكا وكل ما فعلته أنها انحازت إلي فريق الموالاة. وفشلت دول عربية ذات وزن وثقل عندما حاولت التدخل لأنها فعلت الشيء نفسه في احتضان الموالاة علي حساب المعارضة. نزع فتيل الأزمة جاء اتفاق الدوحة ليملأ الفراغ الرئاسي ويمنح فرصة للتركيز بعد ذلك علي التحضير للانتخابات التشريعية المقررة العام المقبل كي تتم في مناخ هادئ. المهم أن اتفاق الدوحة قد تم وفي إطار جري معه تعديل خريطة الطريق التي أعدت منذ بداية العام الحالي لنزع فتيل الأزمة بحيث إن هذه الخريطة حظيت بالقبول من المعارضة اللبنانية وكان رائعا من ليبيا ودول أخري حذت حذوها في الاعتراض علي الحاق القرارين "1559"، "1701" اللذين يدعوان إلي نزع سلاح حزب الله بالبيان الرئاسي لمجلس الأمن الذي هنأ فيه قادة وشعب لبنان بالتوصل إلي اتفاق الدوحة ومن ثم اكتفي البيان بالدعوة إلي تنفيذ القرارات ذات الصلة دون ذكر للقرارين المشار إليهما انفا. قطر وسيط فاعل لم يعد ثقل الدولة يقاس بحجمها ولابتعداد سكانها وإنما بتفعيلها للمواقف والتوازنات التي تنجح في ترسيخها بين كل القوي في المجتمع الدولي. بحيث لا تصنف علي أنها منحازة لهذا الفريق أو ذاك. وهذا ما فعلته "قطر" ولذا نجحت في أن تكون عاصمتها الدوحة ساحة لعقد حوار بين الفقراء اللبنانيين في محاولة للخروج من بوتقة الأزمة التي كادت أن تعصف بلبنان وتدخلها في دائرة الحرب الأهلية، نجحت قطر في أن ترسي لها مكانة إقليمية من خلال نشاط دؤوب وجهود مثمرة طرحت فيها نفسها كوسيط فاعل عبر أكثر من أزمة. وعلي خلاف دول عربية أخري في المنطقة لها وزنها وثقلها لم تشأ قطر رهن رؤيتها بالرؤية الأمريكية تجاه حماس. ومن ثم رأينا ساستها يستقبلون قيادات حماس بل ويسعون جاهدين للعب دور الوساطة بينهم وبين السلطة الفلسطينية في رام الله. ولم تشأ قطر أن تساير أمريكا في نغمة العداء السافر لإيران وعزلها وإدراجها في محور الشر وإنما استنت سياسة أخري مع إيران ورأينا كيف أنها انتهزت فرصة عقد القمة الخليجية الأخيرة التي استضافتها الدوحة قبل نهاية العام الماضي لتوجه دعوة إلي الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للمشاركة في القمة ومنحه الفرصة لكي يتحدث إلي قادة دول الخليج ويرسم أطر التعاون المشترك الذي يمكن أن يتم بينهم وبين إيران. مواصفات الوسيط الناجح ورأينا قطر تلعب دور الوساطة بين الحكومة اليمنية وبين المتمردين الحوثيين، ورأينا قطر تمد أشرعتها وتلعب دورا توفيقيا بين الحكومة والمعارضة في السودان. وحتي لو لم تثمر جهود قطر النتائج المطلوبة الفاعلة في كل الأزمات التي تحاول حلها الا انه يبقي لها محاولاتها الدخول علي الخط لاحلال التهدئة الوسط العربي الحافل بأزمات شتي وبانقسامات بين دولة ومن ثم تحاول رأب الصداع ما أمكن يساعدها في ذلك البعد عن الانحياز الأعمي والنأي بنفسها عن المواقف المتصلبة فهي تتدخل بسلاسة وهدوء وتتحرك بحساب وتقف علي مسافة متساوية من الفرقاء علي أمل أن تحرز وساطتها ترطيباً للأجواء الملتهبة دوماً في منطقتنا. المطلوب استئصال الأزمة جذرياً يحمد لقطر مجهودها الفاعل والنشط والمثابر ويحمد لأميرها حمد بن خليفة سياسته الحكيمة في التواصل مع كل الفرقاء، ويحمد لرئيس وزرائها ووزير خارجيتها حمد بن جاسم جهوده الدائمة من اجل احلال التسوية بين أطراف العالم العربي وتعزيز الأمن والشرعية ورغم ان قطر تتمركز علي أراضيها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية هي قاعدة "العديد"، ورغم انها وجهت دعوة لوزيرة خارجية اسرائيل تسيبي ليفني لحضور منتدي الدوحة حول الديمقراطية الذي عقد في ابريل الماضي، إلا أن هذا لم يحل دونها ودون الاضطلاع بدور بناء ومثمر في الوطن العربي يقوم علي تدخلها كوسيط فاعل لحل الأزمات العالقة في المنطقة وهي كثيرة الأمر الذي منحها ثقلاً وبريقاً ومكانة ملحوظة في عالمنا العربي الزاخر بالمشاكل تلك التي تنوء كاهله. اتفاق الدوحة يمثل انجازا من حيث انه نزع فتيل الاحتقان وجمع الأطراف حول الحوار ويبقي أن يتجه الحوار إلي معالجات حقيقية لاستئصال الأزمة بصورة جذرية تبعد لبنان مستقبلاً عن آية نتوءات طائفية.