هل انتهت المشاكل والخلافات اللبنانية بعد أن تم انتخاب قائدا لجيش العماد ميشيل سليمان رئيسا للجمهورية؟ وهل تراجعت مخاطر انفجار حرب أهلية جديدة وهي كانت أقرب السيناريوهات في مطلع هذا الشهر؟ وهل سيعرف لبنان السلام أخيرا؟ أم أن اتفاق الدوحة هو مجرد هدنة واستراحة محارب إلي أن تنفجر الأوضاع مرة أخري؟ عشرات الأسئلة تطل برأسها علي المسرح اللبناني حيث جاء اتفاق الدوحة لينقذ هذا البلد بالفعل من مخاطر حرب أهلية جديدة، علي نمط تلك الحرب التي استمرت 15 عاما من 1975 إلي 1990، وجاء اتفاق الطائف برعاية المملكة العربية السعودية لينقذها مؤقتا، عبر إرسال قوات حفظ السلام العربية التي أصبحت سورية، فتعقد الموقف لعدة سنوات حتي خرجت القوات السورية العام قبل الماضي وبعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ثم يتوالي مسلسل الاغتيالات ليحصد وزراء وكتابا وسياسيين ونوابا في البرلمان "مجلس النواب" في دائرة جهنمية رهيبة. ولم تتوقف الأمور عند مسلسل الاغتيالات، وإنما اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان ووصلت إلي مشارف بيروت التي ضربتها جوا وبحرا، في حرب خاضها حزب الله مؤيدا من الشعب والحكومة ومن الجيش اللبناني، الذي عاد بعد انتهاء الحرب ليفرض تواجده في الجنوب إلي جانب التواجد المسلح الهائل لحزب الله. وطوال الأعوام الثلاثة الأخيرة أخذ الملف اللبناني ينتقل من سيئ إلي أسوأ، واشتعلت الخلافات داخل الحكومة فانسحب وزراء حزب الله، واستمرت حكومة فؤاد السنيورة بوزراء ما عرف بتجمع 12 مارس "أذار" في مواجهة تجمع المعارضة "8مارس" ومع انتهاء فترة التمديد للرئيس السابق إميل لحود ثلاث سنوات استثنائية بعد أن أمضي الفترة الرئاسية 6 سنوات، فإن القوي السياسية لم تنجح في انتخاب رئيس جديد رغم أنها توافقت بفضل مبادرة الجامعة العربية علي اسم قائد الجيش العماد ميشيل سليمان كمرشح للرئاسة. وعقد مجلس النواب 18 جلسة غابت عنها أحزاب وقوي المعارضة فأفقدت الجلسات شرعيتها، واستحال انتخاب الرئيس، ثم جاء التصعيد الخطير من جانب الحكومة التي اتخذت قرارين بعدم شرعية شبكة الاتصالات التي أقامها حزب الله من الجنوب حتي بيروت، وقيام قائد أمن المطار بتسهيل وصول وسفر طائرات إيرانية تحمل أسلحة وزوارا دون المرور بالقنوات الشرعية. انقلاب 8 مايو وأدي هذان القراران رغم تجميدهما ثم إيداعهما لدي الجيش وأخيرا إلغائهما، إلي دفع حزب الله بجزء يسير من ميلشياته إلي بيروت فاحتلت ودمرت مقار تيار المستقبل الذي يترأسه سعد الحريري نجل رفيق الحريري، كما وصلت إلي الجبل حيث معاقل الحزب الاشتراكي الذي يترأسه وليد جنبلاط نجل رئيس الحكومة الأسبق كمال جنبلاط، وهو ما أدي إلي مخاطر دخول لبنان إلي حرب أهلية، ونجحت الجهود التي قامت بها الجامعة العربية ودولة قطر في جمع الفرقاء اللبنانيين في الدوحة، حيث جرت مفاوضات مكثفة أثمرت عن اتفاق الدوحة. سلاح حزب الله مقابل الثلث الضامن ولم يكن اتفاق الدوحة ينجح لولا قيام الأطراف المتصارعة بتقديم تنازلات مهمة، فقبل حزب الله تعهدا بعدم استخدام سلاحه في الصراعات والخلافات السياسية الداخلية، فيما قبلت الأغلبية إعطاء معسكر المعارضة بقيادة حزب الله نسبة ثلث عدد الوزراء في الحكومة الجديدة، وهو مطلب طالما رفضته الغالبية خشية أن تتمكن المعارضة من تعطيل قرارات الحكومة، وأطلقت بالتالي علي هذه النسبة اسم "الثلث المعطل" فيما أسمته المعارضة ب "الثلث الضامن". وتم أيضا الاتفاق علي إعادة توزيع الدوائر الانتخابية بشكل يسمح بالتجاوب مع التغيرات السكانية أو زيادة نسبة الشيعة والسنة علي حساب المسيحيين في لبنان. الرئيس الثاني عشر هذه التنازلات أثمرت عن فتح الباب أمام انتخاب الرئيس الثاني عشر للبنان، وفي نفس الوقت فإن هذه الأزمة قد كشفت عن كثير من الحقائق علي الساحة اللبنانية والعربية والدولية. فالقوي اللبنانية احتاجت إلي قوة خارجية لدفعها للتوصل إلي اتفاق، ولم تنجح المؤسسات الوطنية مثل مجلس النواب في احتضان حل لبناني لبناني، في ظل الانقسام الطولي في جميع المؤسسات والهيئات. إن الجيش اللبناني تحت قيادة العماد ميشيل سليمان نجح في أن يظل علي الحياد ويحول دون حدوث أي انقسام في ظل تعدد الطوائف داخله، واستطاع أن يمنع انفجار حرب أهلية بتحركه السريع، وتأكيد قائده أن سلاح حزب الله يستخدم فقط في مواجهة إسرائيل وأي اعتداءات خارجية وغير مسموح له بأن يستخدم علي الصعيد الداخلي، وبالتالي فإن الجيش أصبح المؤسسة التي لجأ لها الجميع لاختيار رئيس توافقي للبنان. وعلي الناحية الأخري فإن قوي الأكثرية الحالية تريد أن تكون الانتخابات القادمة مناسبة لتأكيد قوتها وغالبيتها لكي تتمكن من إعادة طرح قضية سلاح حزب الله، وإنهاء ازدواجية السلاح علي الساحة اللبنانية والاكتفاء بالجيش اللبناني كقوي مسلحة وحيدة، وأن تكون الدولة بمؤسساتها هي صاحبة قرارات الحرب والتي تم اختطافها بمعرفة حزب الله. علي الساحة الإقليمية. علي الساحة الإقليمية دعمت قطر من نفوذها الإقليمي بعد أن وظفت دورها السياسي وعلاقاتها مع كل الأطراف في لبنان، ومع سوريا والسعود ية ومصر وإيران وحتي إسرائيل والولايات المتحدة، في احتضان الفرقاء اللبنانيين نحو التوصل لاتفاق دوحة، فلم تقدم قطر غطاء سياسيا محدودا من جانبها فقط، وإنما قدمت غطاء إقليميا لهذا الاتفاق. وأظهرت سوريا وإيران قدرتهما علي التأثير في الأحداث اللبنانية، عندما ساهما في إقناع حزب الله وقوي المعارضة بقبول اتفاق الدوحة، وجاءت مشاركة وزيري خارجية البلدين في احتفال تنصيب ميشيل سليمان أبلغ إشارة علي قوة دوريهما، خاصة أن ذلك ترافق مع الوساطة التركية لرعاية مفاوضات سورية إسرائيلية، الدور الأوروبي لحمل إيران علي قبول مقترحات لحل مشكلتها النووية. علي المستوي الدولي، ورغم أن الدور الأمريكي لم يظهر علنا، إلا أن تحريك المدمرة "كول" إلي البحر المتوسط أمام السواحل اللبنانية، وزيارة بوش للملكة العربية السعودية ومصر، ورعاية كونداليزارايس لمؤتمر أصدقاء لبنان عبر شبكة تليفزيونية مغلقة، مثل رسالة بدعم معسكر الأغلبية وحكومة السنيورة، وعدم السماح لحزب الله بأن يحتل بيروت وينفذ انقلابا متكاملا مثل الذي قامت به حركة حماس في غزة. ولابد أن إسرائيل قد أكدت لقطر أنها أيضا لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تشاهد حزب الله يتمدد ويستولي علي لبنان، وهو ما أكدته صحف إسرائيلية حول وجود خطة جاهزة للتدخل إذا ما تحقق هذا السيناريو. في وسط تلك المعطيات سيكون من الصعب معرفة ما إذا كان اتفاق الدوحة سيؤدي إلي سلام واستقرار وعلاقات تعاون بين الفرقاء اللبنانيين إلي أنه مجرد هدنة يستعيد فيها كل طرف قواه ويعيد حسابات الربح والخسارة. المؤكد أن الجميع الآن سعداء بالاتفاق ويعملون علي تنفيذه وفي نفس الوقت الاستعداد للانتخابات القادمة التي ربما ستكون ساعة الصفر لمواجهة الأصعب إذ ستحدد نتائجها مستقبل لبنان، وما إذا كان سيعيش سلاما دائما أم حربا قادمة؟!