تراجع ترتيب مصر بمقدار 35 مركزا في مؤشر الفساد خلال عام 2007 حيث حصلت علي 9.2 من 10 درجات لقياس مستوي الفساد مقارنة بترتيبها في نفس المؤشر عام 2006 حيث كانت تحتل المركز 70 بين 163 دولة وتراجعت 105 بين 180 دولة ولفت التقرير إلي أن التدخلات السياسية في السلطات القضائية والرشوة تعتبران أبرز صور الفساد حيث يدفع شخص من بين 5 أشخاص يتعاملون مع النظام القضائي في أفريقيا رشاوي ولم تخرج منها سوي جنوب أفريقيا التي لا يعتبر النظام القضائي بها فاسدا. وفي نفس التوقيت أكد تقرير صادر عن 9 مؤسسات دولية ومحلية أن المسافة مازالت شاسعة بين مسيرة الحكومة المصرية وبين أول طريق الالتزام باتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد وطالبت بإنشاء هيئة مستقلة للوفاء بالتزامات المادة السادسة من اتفاقية الأممالمتحدة والخاصة بتعدد الجهات الرقابية الحكومية.. ويبقي السؤال: هل زاد الفساد في مصر خلال هذا العام لتتراجع إلي مركز 105 وهل نحتاج لجهاز جديد لمحاربة الفساد؟! الخبراء الحكوميون والمستقلون لم يختلفوا علي ظهور الفساد وملاحظته بالعين المجردة ولكنهم أكدوا أنه لم "يتوحش" خلال عام فتراجع إلي المركز 105 ولكن الشفافية هي التي زادت.. وهكذا يفسرون ما يحدث: الدكتورة هناء خير الدين المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية تري أن الأمور كلها نسبية بمعني أن نتائج مؤشر الفساد لا تعني أننا تراجعنا وإنما احتمال أن تكون دول أخري سبقتنا بخطوات كبيرة خلال العام الماضي والدليل أن ترتيب مصر في مؤشر سهولة إجراء الأعمال كان سيئا إلي أن قامت الحكومة باطلاع فرق البحث علي التعديلات الاستثمارية وتسهيلات إقامة الأعمال تحسن بعدها وضع مصر في هذا المؤشر. وتوضح الدكتورة هناء خير الدين أن هذه المؤشرات لا تعتمد علي معايير موضوعية وإنما في جزء منها يرجع لبعض الانطباعات الأولية للفرق البحثية التي تقوم بجمع المعلومات والبيانات مشيرة إلي أن جزءاً من هذه المشكلة يقع نتيجة لأن الجهات الرقابية غير مستقلة عن الحكومة ويمكن أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بدور الرقيب. ولم تستبعد الدكتورة هناء خير الدين أن يكون جزء من أسباب تراجع ترتيب مصر في مؤشر الفساد بسبب كثرة النشر في وسائل الاعلام عن الفساد بدون أدلة واضحة وطالبت بالتحقيق في عدد من قضايا الفساد التي تنشر حتي تدلل الحكومة علي جديتها في محاربة الفساد وخاصة أن لدينا ترسانة من القوانين والمهم أن يتم تطبيقها بشكل محايد. الأجهزة الرقابية.. مستقلة! ولم ينف الدكتور علي لطفي رئيس الوزراء الأسبق وجود فساد في مصر مثلها مثل بقية دول العالم ولكنه يوضح أن تراجع ترتيبنا في المؤشر يعني أن هناك دولا تحارب الفساد بجدية أكثر من مصر.. ونفي أن تكون الأجهزة الرقابية تابعة للحكومة مؤكدا أن الجهاز المركزي للمحاسبات تابع لمجلس الشعب والدليل أن نتائج التقرير الأخير للجهاز أثارت خلافا بين رئيسه المستشار جودت الملط والدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية.. مشيرا إلي أن جهاز الرقابة الإدارية هو الآخر جهاز مستقل ولا يأخذ تعليمات من الحكومة. أبحث عن المحليات من جانبها تري الدكتورة يمن الحماقي أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس أن أهم جزء في الفساد المصري يتركز في الجهاز الحكومي وتدلل علي ذلك ما يحدث في المحليات فالفساد لا يحتاج بها إلي أثبات مثل تصاريح البناء المخالفة للمواصفات والقوانين وعدم تطبيق القوانين يمثل الفساد بذاته وأشارت إلي أنه لا يوجد رصيف في مصر يستطيع أن يسير عليه المواطن من الاشغالات وكل تلك المظاهر تحتاج للحسم وتطبيق القانون وتخوفت مما يحدث في الثقافة الاجتماعية حيث أصبح المجتمع حائرا بين الصواب والخطأ من كثرة الفساد. كما تؤكد الدكتورة يمن الحماقي أن القضية ليست في القانون وإنما في التطبيق.. ونفت أن يكون دور مجلسي الشعب والشوري قاصرا في محاربة الفساد والدليل القضايا التي يثيرها المجلسان وكثير من الاتفاقيات التي تم وقفها من جانب البرلمان ولكن عدم تفعيل دور المجلسين يرجع إلي عدم وجود مكاتب استشارية قوية مستقلة يعتمد عليها في المعلومات والبيانات. وتضيف يمن الحماقي أنه رغم أن المستثمرين الدوليين يعتمدون جزئيا علي تقرير منظمة الشفافية كمتغير أثناء اتخاذ قرارات الاستثمار في الدول إلا أن مصر بها نقاط ايجابية كثيرة محفزة للاستثمار وهو ما يعني عدم تأثر أرقام الاستثمار الأجنبي بهذا التقرير بشكل كبير وخاصة أن العالم يعاني من سيولة زائدة. الفساد الصغير.. أكبر أما الدكتور سمير رضوان عضو مجلس إدارة هيئة الاستثمار فيري ضرورة التفريق بين الفساد الكبير والفساد الصغير مؤكدا أن الفساد الصغير قد استشري وخاصة أن الدخول غير متناسبة مع مستوي المعيشة وبالتالي فإنه يتم دفع رشاوي لإنجاز الأعمال وبالتالي فان أي من الاجهزة الرقابية لن يستطيع القضاء علي هذا النوع من الفساد لانه فساد هيكلي. ويضيف الدكتور سمير رضوان ان التجارب الدولية توضح ان هناك طريقتين للعلاج أما تطبيق العقوبة الرادعة علي الجميع مثلما حدث في الصين أو تفعيل دور البرلمان كما يحدث في الأنظمة الديمقراطية باتخاذ اجراءات صارمة لمحاربة هذا النوع من الفساد. ويري الدكتور سمير رضوان ان تراجع مصر بحوالي 35 مركزا عن العام الماضي لا يعني انتشار الفساد فجأة وانما درجة الشفافية في اعلان الاحصائيات التي تحسنت من خلال وسائل الاعلام ومنظمات حقوق الانسان وبالتالي تراجع ترتيب مصر وليس معناه بالضرورة زيادة الفساد بهذا الشكل.