بالرغم من مزاعم الحكومة المصرية والحزب الحاكم بشأن تحقيق إنجازات ملموسة فى مجال مكافحة الفساد إلا أن أحدث تقرير دولى صدر مؤخراً كشف النقاب عن كذب المزاعم التى يروجها النظام المصرى فى هذا الشأن. فقد كشف التقرير الذى تصدره مؤسسة الشفافية الدولية أن مصر أكثر فسادا وتهاوت عدة درجات عن الأعوام السابقة بين البلدان الأخرى فى قائمة الدول الأكثر فساداً. وسجل التقرير الموثق بالنسبة لوضع مصر 2.8 نقطة فى العام الماضى مقابل 2.9 فى 2007، على 'مؤشر الفساد' والذى تصدره مؤسسة الشفافية الدولية سنويا. وبذلك تراجع ترتيب مصر عالميا فى مجال محاربة الفساد، للعام الثالث على التوالي، لتحتل المركز 115 من بين 180 دولة. وتتبوأ مصر المركز الأول بين الدول العربية فى مجال البلدان الاكثر فساداً حسب تقارير إقتصادية وسياسية لمراكز بحثية. ويتكون مؤشر الفساد من 10 نقاط، وتعد الدولة 'أكثر نزاهة' كلما زادت نقاطها عليه، و'أكثر فسادا' كلما اقتربت من الصفر. وتعتمد تقارير المؤسسة. فى تقييمها، على 'تصورات' قطاع الأعمال والخبراء والمحللين حول مدى انتشار الفساد فى دولهم بين الموظفين الحكوميين والسياسيين، ورؤية المواطنين لجهود حكوماتهم فى مكافحة الفساد. غير أن الحكومة التى يرأسها منذ خمسة أعوام الدكتور أحمد نظيف والتى تروج لكونها من أكثر الحكومات التى تكافح الفساد كان لها رأى آخر حول دلالة هذا التصنيف، حيث أكد ناصر فؤاد، المتحدث الرسمى باسم وزارة الدولة للتنمية الإدارية، بأن تلك المعلومات الواردة فى تقرير المنظمة الدولية غير دقيقة بالمرة ولا يمكن القبول بها قال 'هذه الأرقام غير معقولة وغير مقبولة، وأنا أشك فى صحتها كما أن هناك تقارير أخرى أكثر دقة تدحض ما ورد هنا'. أضاف بأن 'هذه المؤشرات ليست يقينية الثبوت'، بمعنى أنها تقيس مدى إدراك ووعى المواطنين لانتشار الفساد فى دولتهم، أكثر من أنها تعبر عن الفساد الموجود بالفعل. وأشار الى تأخر وضع مصر على مؤشر المؤسسة دليلا على أن 'الحكومة حريصة كل الحرص على محاربة الفساد' واستشهد على صحة ذلك بأن رئيس مجلس الوزراء حريص على أن يعلن عن الوقائع الفعلية للفساد 'بمنتهى الشفافية' وبالتالى 'اصبح وعى المواطنين أكثر نضجاً فأصبح الكثيرون منهم لديه وعى بوجود بعض مظاهر الفساد، وعليه ترتفع نسبتهم فى استطلاعات المؤسسة'، كما برر المتحدث باسم الوزارة. وكانت المؤسسة الدولية للفساد قد أشارت إلى أن أكثر من 60 ' من المصريين الذين شملهم الاستطلاع قالوا إن الرشوة واقع ملموس فى معظم الدوائر الحكومية التى لها علاقة بخدمة الجماهير وقد طُلب منهم، من خلال موظفين حكوميين ومقدمى الخدمات العامة، دفع رشاوى لإنهاء معاملاتهم، مشيرا إلى أن 'هذه المشكلة بارزة وواضحة فى مصر'. وبحسب الاستطلاع يتم ذلك فى جهات مختلفة، مثل هيئة الضرائب والجمارك، ومكاتب التراخيص والتسجيلات، وأقسام الشرطة، والهيئات القضائية. غير أن الناطق بلسان وزارة التنمية المحلية يدحض أيضاً تلك المزاعم مستشهداً فى ذلك بإن أحدث مؤشرات الوزارة قد أثبتت أن المواطنين هم الذين يقومون بعرض الرشاوى على الموظفين، وليس العكس (أى أن الموظفين لا يطلبون من المواطنين رشوة)، متعجبا من تركيز التقرير على الرشاوى، وإغفاله مظاهر أخرى للفساد، مثل تجارة المخدرات وتجارة الرقيق. يذكر ان دراسة حديثة لمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية عن الفساد فى الجهاز الحكومي، تم تطبيقها فى ست محافظات على مدى 23 يوما، قد كشفت أن الرشاوى للموظفين الحكوميين هى أبرز مظاهر الفساد فى العلاقة بين أصحاب الأعمال والإدارات الحكومية فى مصر، وتبلغ هذه النسبة 42 ' فى مرحلة تأسيس المشروعات. كما كشفت الدراسة أن 27 ' ممن لم يفكروا من قبل فى دفع رشاوى، اضطروا إلى فعل ذلك، وهناك 39 ' ممن كانوا يقاومون دفع الرشاوى استجابوا ودفعوا. وتراجع ترتيب مصر عالميا على مؤشر الفساد بشكل متواصل منذ 2005، فقد سجلت 3.4 نقطة على المؤشر فى عام 2005، لتحتل المركز 70 من بين 159، ثم تراجعت إلى 3.3 فى 2006، ثم إلى 2.9 فى 2007. وكان تقرير للبنك الدولى قد كشف منذ شهرين تحقيق مصر تراجعا فى قدرتها على تقليص الفساد خلال العقد الماضي، مشيرا إلى تدهور أداء مصر سنويا خلال الفترة من 1996 إلى 2008 فى مقياس مكافحة الفساد الذى يعده البنك، والذى يعتمد على قياس مدى تورط البرلمانيين والقضاة وموظفى الحكومة ومسؤولى الضرائب والجمارك فى الفساد. وقد جاءت كل من الدانمارك ونيوزيلندا والسويد فى مقدمة الدول التى حققت تقدما فى مجال محاربة الفساد، بتسجيلها 9.3 نقطة على مؤشر مؤسسة الشفافية، بينما كانت الصومال الأكثر فسادا عالميا، بإحرازها نقطة واحدة. وعلى مستوى الدول العربية، كانت قطر الأفضل، حيث احتلت المركز 28، برصيد 6.5 نقطة. وشدد الباحث الإقتصادى الدكتور عبد الخالق فاروق على أن الفساد فى مصر تحول إلى منهج وآليه وغاية فى حد ذاته وأن النظام غير راغب بالمرة فى مكافحة الفساد بل ان كبار المسؤولين على يقين تام بأن محاربة الفساد معناه أن كثيرا منهم سيقضون بقية أعمارهم داخل السجن.