يبدو أن ذاكرتنا كشعب عربي أصبحت قصيرة جدا، إذ إننا لانزال في كل مرة يتجدد فيها عدوان اسرائيلي نحتاج إلي من يذكرنا أن الوحشية الاسرائيلية إنما تجيء كعمل فاشي محسوب ومبني علي أسس عنصرية. ذلك ان اسرائيل في حقيقتها دولة عنصرية دينية، وتصرفات قادتها غالبا ما تأتي استجابة لفتاوي دينية يهودية. ولعل القليل منا يتذكر الفتوي التي اصدرتها لجنة حاخامات مستوطنات الضفة الغربيةوغزة، في خضم الحرب الاسرائيلية علي لبنان في صيف عام 2006، والتي تبيح "قتل الابرياء من الاطفال والنساء في لبنان وفلسطين" زاعمة أنها تستند في تلك الفتوي إلي نصوص من التوراة، بل ان تلك الفتوي التي نشرت اَنذاك في صحيفة "يديعوت احرنوت" ان "من يترحم علي اطفال غزة ولبنان، فإنه يقسو علي اطفال اسرائيل". وقبل ذلك بعامين، كانت فتوي يهودية قد بعثت بها 14 شخصية من كبار الحاخامات اليهود إلي رئيس الوزراء السابق ارييل شارون، في شهر "سبتمبر" 2004، طالبته ب "عدم التساهل أو التهاون في قتل المدنيين الفلسطينيين بمن فيهم الاطفال والنساء". اليوم، مع تجدد الاعتداءات الاسرائيلية المتعمدة علي المدنيين من اطفال ونساء في غزة، لم يعد المشهد الفلسطيني يحتاج إلي مزيد تأكيد لوحشية "الفاشية اليهودية". ولكن إذا كان ما تقوم به اسرائيل من هجوم وحشي وما تهدد بالقيام به من "محرقة" في غزة كما جاء في التصريح الذي اطلقه نائب وزير الدفاع الاسرائيلي ماتان فيلناي ونقلته وكالات الانباء العالمية مساء الجمعة الماضية، يمثل تجسيدا واقعيا ل "الفاشية اليهودية" في أنصع صورها، فإنه لابد من الاعتراف بأن هناك فاشية فلسطينية توازيها في الوقت نفسه. فالفاشية الحديثة ضد الفلسطينيين لا تقف عند الوحشية الاسرائيلية، وانما تتعداها إلي كل أولئك الذين يعينونها أو يتواطأون معها، خصوصا من المسئولين الفلسطينيين! الفاشية الفلسطينية تتجلي عند اولئك الذين يراقبون "جرائم الحرب" الاسرائيلية، علي الهواء مباشرة، المخالفة لميثاق الاممالمتحدة واتفاقية جنيف الرابعة 1949، والخارقة للإعلان العالمي لحقوق الانسان، ولجميع المواثيق والقوانين والاعراف الدولية، ثم يلقون بالتهمة علي المقاومة الفلسطينية في أنها تعطي الذريعة لمثل هذا! ولست أدري ما إذا كان هؤلاء البعيدون عن فهم القانون الدولي، يعلمون انه حتي مبرر الحرب لا يعطي "الذريعة" لاستهداف المدنيين خصوصا الاطفال والنساء والشيوخ والعزل، لأن هناك مواثيق دولية تحمي هذه الفئات بموجب القانون الدولي! هل نسي أو تناسي هؤلاء ان الدفاع عن النفس حق كفلته الشرائع القانونية جميعها، بما في ذلك المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة، فضلا عن أن مقاومة الاحتلال قانون فطري؟ أليس الذي يحدث في فلسطين سواء كان في قطاع غزة أو في الضفة الغربية عدوانا من دولة احتلال؟ وإذا امتنعت حكومة رام الله عن الرد العسكري لأي سبب، فهل يحرم ذلك التصرف المقاومة من حقها المكفول بالقانون الدولي؟ ثم لماذا يغض هؤلاء الفاشيون النظر عن الجرائم الاسرائيلية في الضفة الغربية التي لم تطلق منها صواريخ قط، في حين يكيلون التهم للمقاومة في غزة من هذا الباب؟ كما أن الفاشية الفلسطينية تبدو واضحة عند الذين يتهمون من دون تقديم شهود ولا بينات المقاومة الفلسطينية في غزة بأنها تستضيف "القاعدة" ليقدموا بذلك غطاء عسكريا لاسرائيل واخر سياسيا للولايات المتحدة في استهداف "الارهابيين". وليست الفاضية الفلسطينية اقل درجة عند المسئولين الفلسطينيين الذين يستمعون إلي تصريح الوزير الاسرائيلي السابق الذكر الذي يهدد فيه ب "حرق" كل من بداخل غزة ليتم التخلص منهم كالحشرات، ثم لا يكادون يجدون عبارات مناسبة في الرد عليه، بل قد يعتذر البعض منهم عن ذلك كونه "زلة لسان"!