كانت دينشو شركة يابانية صغيرة لا يزيد عمرها علي عقدين من الزمان.. تضم 150 عاملا ومتخصصة في صنع أجزاء الاَلات التي تصنع أشباه الموصلات إلي جانب الشاشات الزجاجية لأجهزة التليفون المحمول وهي تقدم هذه المكونات المعقدة إلي بعض الشركات اليابانية الكبري المتخصصة في صناعة الاتصالات. ولكن دينشو تحولت أخيرا إلي شركة متوسطة الحجم وتأمل في المستقبل القريب أن تسجل نفسها في البورصة لأن العادة جرت في اليابان علي أن يكون تسجيل أية شركة في البورصة هو دلالة علي نضجها. وتقول مجلة "الإيكونومست" إن هذا كله كان مصدر فخر إيواو سوموج رئيس شركة دينشو وأن الرجل تلقي باقات الورود من شركائه بهذه المناسبة وذلك في مقر الشركة الذي يبعد عن طوكيو مسافة ساعة بالسيارة. ومع ذلك فإن هناك تقليلا من قيمة النجاح الذي أحرزته دينشو وغيرها من مئات الشركات اليابانية الصغيرة المماثلة.. فالشركات اليابانية الكبري مثل تويوتا وكانون وسوني وغيرها شركات معروفة جيدا ولكن نجاح هذه الشركات الكبري يعتمد علي ما تقدمه لها الشركات اليابانية الصغيرة والمتوسطة من مدخلات.. ويتم تعريف الشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع الصناعات التحويلية في اليابان بأنها الشركات التي يقل رأسمالها عن 300 مليون ين "3 ملايين دولار" وتستخدم أقل من 300 عامل.. وهذه النوعية من الشركات تمثل 99.7% من جملة الشركات اليابانية من إجمالي قيمة إنتاج قطاع الصناعات التحويلية في اليابان. وكثير من هذه الشركات تتجاور في شكل عناقيد في ضواحي طوكيو وغيرها من المناطق المشابهة.. وتتخصص في صناعات مثل الالكترونيات والكيماويات الرفيعة والهندسة الدقيقة.. وقليل فقط من هذه الشركات هي التي يرجع عمرها إلي عدة قرون. ومثلما هو الحال في ألمانيا فإن كثيرا من هذه الشركات المجهولة تقوم كمشروعات عائلية صغيرة وتدار عائليا وتقدم منتجات عالية الجودة هي التي تمكن الشركات الكبيرة من إحراز النجاح. ولكن في اليابان تعد شركة دينشو استثناء وليست هي القاعدة.. ويقول أتسوشي سايك أستاذ الاقتصاد في جامعة كايو إن هناك أعدادا هائلة التنوع من الشركات الصغيرة، ورغم أن بعضها يتميز بالصمود فإن كثيرا منها في حالة بائسة خصوصا خلال السنوات الخمس الأخيرة وهذا بالتأكيد أمر له أسبابه. وعلي سبيل المثال فإن الشركات اليابانية الكبري اعتادت في السنوات الأخيرة أن تضغط علي الموردين وأن تجبرهم علي تخفيض أسعار سلعهم وقبول هوامش ربح ضئيلة ومعظم الشركات الصغيرة تجد من الصعب عليها أن ترفض هذه الضغوط لأن الجزء الأكبر من إنتاجها عادة ما يذهب إلي شركة واحدة كبري وهذا ما يؤكده أيضا تاكوتشي ميورا رئيس وكالة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التابعة لوزارة الاقتصاد اليابانية. ويقول الرجل إن كثيرا من الأرباح التي تحققها كبريات الشركات اليابانية المصدرة منذ عودة الانتعاش إلي الاقتصاد الياباني في عام 2002 يتم علي حساب هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة. كذلك فإن الأجور قد زادت قليلا عام 2007 في الشركات الكبري ولكنها للأسف انخفضت في الشركات الصغيرة.. كما أن مستوي الإنتاجية "أي القيمة المضافة لكل عامل" في الشركات الصغيرة والمتوسطة نصف مستوي الإنتاجية في الشركات الكبري في قطاع الصناعات التحويلية.. أما في القطاعات الأخري فإن الحال أسوأ.. ولذلك لم يكن غريبا أن يعلن هيروكو أوتا وزير الاقتصاد الياباني أن إنتاجية الشركات اليابانية عموما تقل 30% عن إنتاجية الشركات الأمريكية.. وفي ذات الوقت فإن الصناعات التحويلية اليابانية تواجه ضغوطا من الشركات الصينية التي تتحسن جودة منتجاتها ويزيد إنتاجها وتقل أسعار هذه المنتجات وذلك بالطبع إلي جانب الضغوط الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة وتكاليف النقل وهشاشة ما حققه الاقتصاد الياباني من انتعاش. ونتيجة لكل ذلك فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة تعاني بشدة حيث تقول مصلحة الضرائب اليابانية إن ثلث الشركات التي يقل رأسمالها عن 100 مليون ين هي فقط التي تحقق خسائر في حين أن نصف الشركات الأكبر شركات رابحة، وكذلك فإن الشركات الضعيفة تحاول الاستفادة من القروض المصرفية الميسرة. ويمارس الساسة اليابانيون ضغوطا شديدة علي البنوك الصغيرة والاقليمية لتقديم هذه القروض للشركات أحيانا من دون أية ضمانات.. وتقول الأرقام إن 70% من الشركات الصغيرة والمتوسطة تحصل علي قروض مصرفية بدون ضمانات وذلك حسب مسح أجرته غرفة التجارة والصناعة اليابانية عام 2003.. ورغم أنه قد تم وضع بعض الضوابط علي مثل هذه القروض فيما بعد فإنها لاتزال في نظر الساسة أفضل من تقديم إعانات بطالة للمتعطلين.. وقد أدي هذا إلي انخفاض معدلات إفلاس الشركات في اليابان إلي جانب قدرة عمليات الاندماج والاكتساب.. ونجم عن هذا الوضع وجود طاقة إنتاج فائضة تضر بالجميع. ورغم أن الحكومة لاتزال تعمل علي دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة بمختلف الطرق فإن ذلك لن يغير من معاناتها لتظل نجاحات شركة دينشو التي أشرنا إليها في البداية هي مجرد استثناء وليست قاعدة.