عاشت مصر هذه الأيام حالة متناقضة ما بين فرحة عارمة وبين حزن قاتل، الأولي لحصول المنتخب الوطني علي كأس الأمم الإفريقية للمرة السادسة، والثانية لفقدان أشرف وأنقي صحفيين عرفهما التاريخ المعاصر في مصر المحروسة.. اثنان كان لهما اتصال وجداني مع القاعدة الشعبية المصرية والعربية وكان لهما رصيد لا يستهان به عند المثقفين المصريين والعرب.. اثنان منحا مصر شرف الكلمة وأدب الحوار وسمو الخلاف في الرأي، أعطوا بلا مقابل سوي محبة هذا الشعب العظيم الذي هم منه وهو منهم.. اثنان تفخر ككاتب وصحفي انك عشت وزاملت هذا الشرف والعطاء النقي الذي يعطي أملا في كل مقال أو كتاب أو محاضرة أو حتي مجرد حديث بينك وبين أي منهما، فيزيدك هذا اصرارا علي الحق والأمل في غد أفضل.. اثنان كانا مدرسة في أدب الحوار ولو انصفنا لتعلمنا أن الأدب خير وسيلة للإصلاح وأن الهجوم حق للصحفي لكن النقيصة تهبط به إلي أسفل السافلين. نعم فقدت مصر الأستاذ رجاء النقاش الذي تشرفت بالعمل معه طوال فترة رئاسته لمجلة الكواكب.. كان أستاذا في فن النقد ومنه تعلمت الحرص علي الكلمة ومسئولية المعني الذي أريده أن يصل إلي القارئ دون تجريح أو تضخيم.. كان أستاذا وصديقا رحمه الله رحمة واسعة وألهم ذويه وأصدقائه وتلاميذه السلوان.. ولعل مقولة إن الكاتب لا يموت تطبق بكل حذافيرها علي الراحل الكريم فهو موجود في 50 كتابا أثري بها المكتبة المصرية وأيضا الثقافة العربية بوجه عام. ما هذه المصادفة الموجعة، أن يموت اثنان من نفس الفصيلة، فصيلة الفضيلة والعفة، عفة النفس وعفة اللسان، والتغاضي عن الصغائر والسمو في تصوف فوق ملذات الحياة وشهوة المال.. مات أستاذ وتلميذه، مات الاثنان اللذان يمثلان الضمير الحي لشعب مصر. وكأن القدر لا يرحب بأن تكتمل فرحة الشعب المصري بوصول المنتخب للنهائي، فخطف الموت كاتبين جعلا الانتماء للمهنة شرفاً، وأقول للصحفيين الشبان تمسكوا بقيم مجدي مهنا ورجاء النقاش وتعلموا أن عفة اللسان وعفة النفس هي سلاح الصحفي وزاده وزواده وأن العمل لخدمة الشعب ونصرته هما الغاية والهدف.. ادرسوا مقالات الاثنين واقرأوا كتب أستاذ النقد الأستاذ رجاء النقاش وتعلموا كيف يكون الصحفي الشريف، فقد اعطي هذان النموذجان وصفا دقيقا لما يجب أن يكون عليه الإنسان والصحفي. نعم فقدت مصر بقسوة الموت اثنين من أعز الأصدقاء والكتاب، كاتبان تخسر مصر كثيرا بفقدهم في يوم واحد وقد تكون بينهما مجرد ساعات فقط. خطف الموت النزاهة من بيننا والطهارة وروعة الأسلوب وحلاوة الكلمة الصادقة. وقد زاد الفقيد مجدي مهنا الأداء التليفزيوني روعة وكانت قيمته الأساسية حسن الاعداد والرد بالمستند وأصول الهجوم وهدوء الحوار وإصابة الهدف. نعم إن مصر في حالة حزن وشجن لفقد مصريين عظيمين اعطيا بلا حدود وأخذا من حب الناس وتقديرهم واحترامهم الكثير.. ولعل جنازتهما خير دليل علي ما أقول، فقد جمعت مصر من اقصاها إلي أدناها ومن أعلاها لأسفلها، تماما مثلما حدث مع فرحة انتصارنا الكروي التي تجمع حولها الشعب المصري بجميع فئاته ليقول الشعب العظيم: مصر ومصر أولا، سواء في الانتصار أو في الموت، فنحن شعب يعرف كيف يتحد عند الشدائد أو الحاجة لنصر مصر. أحلي ما سمعت كلمة مصر التي رددها شعب مصر في فرحة الفوز وأقسي ما رأيت دموع مصر وهي تودع أعظم كاتبين في هذا العصر. رحم الله رجاء النقاش ومجدي مهنا وألهمنا أن نسير علي خطاهما وأن نتعلم وألا ننسي أن شرف الكلمة ليس له بديل.