الكاتب القدير فهمي هويدي كتب الأسبوع الماضي مقالا مثيرا تحت عنوان "أسبوع الالتباس السياسي" يعلق فيه علي أحداث اقتحام الحدود المصرية وينتقد موقف الإعلام الرسمي في التعامل مع هذه الأحداث، ويقارن بين ما حدث من اقتحام الفلسطينيين للحدود المصرية ودخول أعداد كبيرة من المصريين من قبل إلي ليبيا، وتقبل الليبيين لذلك دون غضاضة علي عكس الموقف المصري من عدم تقبل الأعداد الكبيرة من الفلسطينيين. ويصف الأستاذ هويدي ما حدث بأنه نوع من الالتباس في الفهم والتفسير أصاب مواقف الكثيرين. ورغم وجاهة ما يحاول الأستاذ هويدي عرضه وتحليله وتقديمه في مقاله إلا أننا نري أن الالتباس الذي تحدث عنه قد نال بعضا منه قبل الآخرين..! فهو أولا يشيد بالمعالجة الرسمية التي جاءت هادئة ومتزنة، ولا خلاف في ذلك، فلا أحد يستطيع أن يقول بغير ما قالته الخارجية المصرية إزاء فتح الحدود أمام المحاصرين لاعتبارات إنسانية، والشعب المصري كله بجميع اتجاهاته رحب بهذه الخطوة التي كانت قرارا سليما وذكيا من الرئيس حسني مبارك أنقذ مصر من افتراءات عربية عديدة وحملة تشهير كانت جاهزة للنيل منها لو تقاعست عن فعل ذلك، خاصة أن ما حدث لم يكن تلقائيا أو بمحض الصدفة وإنما كان بتخطيط وتنفيذ أطراف عربية أرادت أن تعاقب مصر علي تدخلها في لبنان بافتعال أزمة من هذا النوع علي حدودها..! ويقارن هويدي بين اقتحام حشود من الفلسطينيين لمعبر رفح ودخول عشرات الآلاف من المصريين إلي ليبيا من قبل، وهي مقارنة في غير موضعها وخلط للأوراق والحقائق بشكل غير سليم، فدخول الفلسطينيين إلي رفح تم بطريقة فيها من الاستفزاز الشيء الكثير حيث قاموا بهدم الجدار ودخلوا بأعداد كبيرة في اعتداء واضح علي السيادة المصرية، وبشكل يوحي بأنهم قد فرضوا إرادتهم علي مصر، بل وتفاخروا بذلك فعلا في العديد من التصريحات، والحوادث التي تلت ذلك حتي وإن كانت حوادث فردية مثل رفع العلم الفلسطيني علي أراض مصرية وقذف الجنود المصريين بالحجارة. أما في حالة عبور المصريين إلي ليبيا فإنه كان يتم من خلال القنوات الشرعية ودون اعتداء علي سيادة الأراضي الليبية ومن خلال رغبة الليبيين أنفسهم، ولا يمكن بالطبع مقارنة أوضاع عمال يذهبون للبحث عن العمل والرزق بأوضاع الذين اقتحموا الحدود باللوريات والجرافات في قرار من جانب واحد..! ويقينا فإن الأستاذ هويدي في مقاله إنما يحاول تبرير ما حدث من جانب حماس والدفاع بشكل غير مباشر عن جماعة الإخوان المسلمين الأب الشرعي لحماس من منطلق خشيته من أن تأتي الحملة الإعلامية ضد حماس بنتائج سلبية علي الإخوان المسلمين تؤدي إلي عزلهم في الشارع المصري، وهو الأمر الذي دفع حركة الإخوان إلي تدارك الموقف بسرعة وإعلان إدانتها لأي اعتداء علي السيادة المصرية وعلي جنود مصريين لتقترب في ذلك من خط الشارع قبل أن تقع في مطب سياسي كان سيكلفها كثيرا..! وفي مقاله فإن الأستاذ الكبير هويدي لم يتعرض بأي انتقاد لحركة حماس التي حاولت تصدير المشكلة إلي مصر والزج بها في الصراع الدائر لتوريطها أمام الرأي العام العربي والعالمي، وتعامل مع الأمر كما لو كان مجرد تحرك جماهيري تلقائي من أهالي غزة بحثا عن الاحتياجات الغذائية، ولم يتعامل مع ما حدث علي أنه مسئولية حماس التي أوصلت الأمور إلي هذا المنحدر والتي بخلافها مع السلطة الفلسطينية قدمت المبرر لإسرائيل لحصار غزة وتجويع أهلها! ولم يشر الأستاذ هويدي بالطبع في مقاله ولم يعلق علي كل هذه الأموال الهائلة التي كانت في حوزة الفلسطيين في قطاع غزة رغم كل ما كنا نسمعه من قبل عن أزمات مالية وعدم دفع مرتبات الموظفين وما إلي ذلك..! فطبقا لتصريح صادر عن السيد عمر شعبان الخبير الاقتصادي الفلسطيني والمنشور في صحيفة "الشرق الأوسط" يوم الجمعة الماضية فإن أهالي غزة أنفقوا خلال فترة انهيار الحدود أكثر من 400 مليون دولار وليس 300 مليون دولار كما ذكرت المصادر الرسمية المصرية..! والأرقام توضح القوة الاقتصادية لأهالي غزة والتي تتفوق في رأينا علي القدرات الاقتصادية للكثير من المصريين. وقد كنا نتمني علي الأستاذ هويدي وغيره من الكتاب الذين يشيرون دائما إلي متاعب الفلسطينيين الاقتصادية ومعاناتهم اليومية أن يعقدوا مقارنة بين دخل المواطن الفلسطيني والمواطن المصري فلو فعلوا ذلك لاكتشفوا أن حملات التبرع والدعم للفلسطينيين التي تنطلق من خلال مؤسسات وهيئات عالمية وبرامج دولية يجب أن توجه لدعم قطاعات كبيرة من المواطنين المصرية الواقعين تحت خط الفقر والذين لم ير معظمهم شكل الدولار الذي يشتري به الفلسطينيون احتياجاتهم...! وعلي ذلك فإن هذا الشعب الكادح هو أول من يبادر إلي تقديم المساعدة لاخوانه من الفلسطينيين عن طيب خاطر ولكنها مساعدة يجب أن تكون مقرونة بالاحترام المتبادل والتقدير والعرفان بدلا من نكران الجميل والاعتداء علي السيادة الوطنية وهي أمور لا التباس فيها ولا غموض ولا يمكن معها قبول أي نوع من التبرير فكما قال وزير خارجيتنا مؤخرا في برنامج تليفزيوني: "من سيكسر خط الحدود المصرية ستكسر رجله".. فهل يظل هناك بعد ذلك أي التباس أو تناقض في المواقف يا استاذ هويدي..؟ Sayedelbably@ hatmail.com