حول مدي استفادة الاقتصاد المصري ككل من تلك المعونات التي تحصل عليها مصر من الدول الأجنبية ولاسيما وأننا لم نلمس بالفعل أي مؤشرات تؤكد وجود تحسن قطاعي في أي من القطاعات التي استهدفتها المعونة سواء كان الصناعة أو الصحة أو التعليم أو البيئة. فقد قمنا بمحاورة مجموعة من الاقتصاديين والخبراء للوقوف معهم علي رؤيتهم الحقيقية في هذا الشأن وكذا تقييمهم لمدي ما قدمته المعونات من استفادة للجهات المختلفة بالدولة. يؤكد الدكتور وجيه دكروري "الخبير الاقتصادي" أن المعونات ليست هبة أو عطايا تمنح لمصر ولكنها مشاركة لمواقف وأثمان سياسية نقوم فعلا بدفعها فهي كما تحقق فائدة للجانب المصري فإنها وبالتأكيد تحقق مصلحة حقيقية لشركاء التنمية مع مصر ويشرح دكروري وجهة نظره قائلا إن دولة تمر بمرحلة تحول تحتاج إلي المساعدات والمعونات لسد الفجوة بين معدلات الاستثمار المطلوبة ومعدلات الادخار المحققة ويكون ذلك إما عن طريق زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر أو عن طريق المنح والقروض أو الاثنين معا وهو ما تحتاجه مصر حتي تحقق تقدما ملحوظا يؤدي بها في النهاية إلي الاقلال من احتياجها لتلك المساعدات مشيرا إلي أن المساعدات الأمريكية تتم من خلال برنامج الاستيراد السلعي وبرنامج التحويلات النقديمة لشراء سلع أمريكية المصدر والمنشأ وكما هو معروف فإن برنامج الاستيراد السلعي مخصص بالكامل لاستخدام القطاع الخاص المصري من خلال أكثر من ثلاثين بنكاً ويتم تنفيذ هذا البرنامج تحت اشراف وزارة التعاون الدولي أما أنواع السلع التي يتم استيرادها فمن المحتم أن تكون سلعا أمريكية وتنقل علي وسائل نقل أمريكية ذلك علاوة علي الدراسات والابحاث الموكلة لمكاتب أمريكية لبحث ودراسة الكميات والانواع التي يتم شراؤها ومن هنا وهكذا يتضح أن الجانب الأمريكي يستفيد بشكل مباشر من تسويق سلعة إلي السوق المصري كما تستفيد أجهزة الخدمات بعوائد النقل والشحن دون منافس وأيضا تستفيد المكاتب التجارية والوكلاء بجميع العوائد المترتبة علي أعمالهم. ويؤكد دكروري أن ما يعود علي الاقتصاد الأمريكي من المعونات المحسوبة علي مصر يقدر بأكثر من 60% من حجمها والباقي يعود إلي الاقتصاد المصري حيث يتبقي القليل بعد حساب الهالك والفاقد خلال مراحل التخزين والتوزيع خاصة للسلع الغذائية مثل الاقماح والزيوت وغيرهما. أما بخصوص المعونة الأوروبية فهي تتلخص حسب كلام دكروري في ما يقدم الاتحاد الأوروبي لبرنامج المشاركة المصرية الأوروبية وينحصر في برنامج ميدا "أ" وميدا "2" لتحديث الصناعة المصرية الذي ينفق جزءاً كبيراً من في استجلاب الخبراء الأوروبيين والزيارات والمعارض والرحلات التي تتم للاتحاد الأوروبي عن طريق البرنامج ويري دكروري أن حجم المنح والمساعدات التي حصلت مصر عليها في عام 2007 غير كبير وعلي عكس ما يتصوره الجميع فقد بلغ حجم المنح الاقتصادية الأمريكية "وهذا خلاف المنح العسكرية" 275 مليون دولار أمريكي أما حجم المعونات الأوروبية عام 2007 فحجمه 31 مليون يورو فقط!! وبناء علي ذلك ينبغي أن ندرك أن إجمالي المساعدات الاقتصادية يمثل أقل من 1% من الناتج القومي الإجمالي وهو ما يؤكد أن الاستغناء عنها ليس مسألة حياة أو موت بالنسبة لمصر مع العلم بأنه طبقا لتفاهمات عام 1998 بين كل من مصر والولايات المتحدةالأمريكية والخاصة بتخصيص حجم برنامج المعونة علي مدار عشرات سنوات بمبلغ 40 مليون دولار حتي نصل بقيمة البرنامج في نهاية فترة التخصيص عام 2008 إلي 415 مليون دولار وسوف تقوم بعد ذلك كل من الدولتين بتحديد شكل وهيكل جديد للبرنامج اعتبارا من ،2009 وما يجري التفاوض عليه الآن ويقوم حوله كل هذا اللفط. وفيما يخص باقي المعونات التي تتلقاها مصر فإن د.دكروري يوضح أن باقي دول العالم التي تحصل منها مصر علي معونات وعلي رأسها اليابان وبعض الدول الآسيوية فإنها تنحصر وتتحدد في شكل قروض طويلة الأجل بفوائد بسيطة وكلها أيضا تذهب إلي مشروعات انشائية أو تعاونية مثل إنشاء كباري مثل كوبري الفردان الذي قامت به اليابان والعديد من المشروعات الانمائية التي تتم في مصر بالتعاون مع خبرات تلك الدول علما بأنه ولا توجد دولة تعطي مصر منحة دون مقابل. ويؤكد د.دكروري أن هناك اهداراً9 حقيقياً يتم في قطاع المنح ويرجع إلي مجموعة من العوامل منها سوء استخدام الموارد سواء باستنزافها في قطاعات الصحة والتعليم والبنية والديمقراطية بشكل لا يحقق الاهداف المرجوة ويحقق استفادة مجموعات من الاستشاريين والمتخصصين والخبراء دون تحقيق واقع ملموس يساوي قيمة هذه المنح.