كشف كتاب "اقتصاد يغدق فقرا" لمؤلفه الألماني هورست أفهيلد والذي ترجمه إلي اللغة العربية الاستاذ/ عدنان عباس النقاب عن متناقضات سافرة لنموذج النمو الرأسمالي الليبرالي حيث استعرض المؤلف بالدراسة والتحليل معدلات نمو الاقتصاد الالماني خلال الثلاثين سنة الماضية إذ حقق خلال معدلات نمو الاقتصاد الالماني خلال الثلاثين سنة الماضية إذ حقق خلالها معدل نمو اقتصادي حقيقي بلغ 100% وفي المقابل تزايدت معدلات الفقر بنسبة 200% خلال ذات الفترة فقد ازداد عدد الفقراء في ألمانيا من 5.1 مليون إلي 5.4 مليون فقير ويعني هذا ببساطة أن معدل نمو الفقر بلغ ضعف معدل النمو الاقتصادي وبلغة الاقتصاد فإن الفقر ينمو بمعدل متزايد والنمو الاقتصادي ينمو بمعدل متناقص هذا من جانب الكم أما من جانب الكيف فإن الفقير يزداد فقرا والغني يزداد غني وهكذا تتسع الفجوة بين الاغنياء والفقراء في العالم الأول فماذا عن العالم الثالث الفقير؟؟ حدث ولاحرج!! وأرجع المؤلف تسارع معدل نمو الفقر في ألمانيا إلي عاملين رئيسيين الأول تراجع وتهميش دور الدولة في الاقتصاد والثاني سيادة الاتجاهات الليبرالية الحديثة في الاقتصاد وتطورها بمسميات عصرية كتحرير الاقتصاد ؟ وتحرير التجارة والخصخصة والعولمة والنظام العالمي الجديد وما إلي ذلك من مسميات كثيرة ولكن جوهرها وهدفها واعد يرمي إلي تهميش دور الدولة في الاقتصاد. وكنتيجة مباشرة لغياب دور الدولة عن المشهد الاقتصادي ولشراسة مبدأ الليبرالية الاقتصادية المفرطة ازدادت وانتشرت مظاهر العوز والفقر وتزايد الطلب علي الاعانات الاجتماعية التي تقلصت بدورها اعمالا لسيطرة الليبرالية الاقتصادية وارتفعت معدلات البطالة التي تطرح اشكالية درامية متناقضة قوامها تحقيق معدل نمو اقتصادي تراكمي وفي نفس الوقت يعجز عن ايجاد الوظائف!! ويفسر هذا التناقض تجريدا بقانون السوق عفوا الغابة البقاء للأقوي مع عدم اعمال أية أبعاد تتعلق بقواعد العدالة في توزيع الدخل القومي فالوضع يشبه إلي حد متطابق حياة مملكة النحل فرأس المال هو الملكة وباقي المجتمع مجرد شغالات تلقي حتفها في مملكة رأس المال مع فارق وحيد ألا وهو عدم وجود رغبة بيولوجية في مثل هذا الانتحار كشغالات النحل!! إن هذا الكتاب ليس مجرد كتاب بل منهج شامل للاصلاح الاقتصادي ورسالة صادقة موجهة من اقتصاد متقدم وغني ومع هذا يغدق فقرا إلي كل اقتصاد نام وفقير ويذرف دمعا لأن الفقر حالة اعتيادية جدا ومتعايش معها فلم يبق لديه إلا الدمع!! ولعل الدول النامية ولاسيما صناع السياسة الاقتصادية فيها يقرأون هذا الكتاب بامعان في خصم هرولة تلك الدول إلي تبني نموذج النمو الرأسمالي الليبرالي كنموذج بديل لنموذج النمو الاشتراكي الذي لم يحقق لها التنمية التي تنشدها وذلك في اعقاب اشهار افلاس النموذج الاشتراكي للتنمية القائم علي ملكية الدولة الكاملة لوسائل وأدوات الانتاج فقد تبنت دول كثيرة النموذج الاشتراكي لمدة نصف قرن كامل ولم تحقق شيئا ثم تحولت إلي النموذج الليبرالي ولن تحقق شيئا أيضا ويرجع السبب في ذلك إلي أن النموذج الاشتراكي قد جعل من الدولة ملكا متوجا اشباع حاجاتها وكل رغباتها أمر أولي بالرعاية وأهمل الفرد وقهره وترك له الفتات ونفس السبب قائم في النموذج الليبرالي الذي يجعل من رأس المال ملكا متوجا تسن جميع القوانين لصالحه وينصهر في السلطة أو تنصهر هي فيه فلا فرق ويستغل الفرد والمستهلك باسم الحرية الاقتصادية فماذايسمي أو يكون إذن المجون الاقتصادي؟؟ وأخيرا قد يتساءل القاريء أي نظام تتبع؟ بالتأكيد النظام الرأسمالي والاقتصاد الحر لكن مع عدم انسحاب الدولة من الاقتصاد واقتصار دورها علي الخدمات السيادية كتحقيق الأمن والدفاع والعدالة ومحاربة الاحتكار وتحقيق العدالة في توزيع الدخل القومي وصياغة عقد اجتماعي جديد وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية وتلك المباديء هي التي يقوم عليها نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي والذي تطبقه بنجاح عدة دول ومن أهمها الدول الاسكندنافية في أوروبا وسيكون موضوع مقال قادم بإذن الله.