استيقظت أسواق المال العالمية الخميس الماضي علي مفاجأة من العيار الثقيل حيث كشف وبشكل مفاجئ بنك سوسيتيه جنرال ثاني أكبر بنك فرنسي عن تعرضه لعملية احتيال كلفته 7.1 مليار دولار "4.9 مليار يورو". وفي بيان نشر علي موقع المصرف علي الإنترنت تحدث رئيس مجلسا دارة البنك دانيال بوتون عن احتيال داخلي نفذه موظف يعمل بأحد فروع البنك. ولم يكشف الموظف المحتال لإدارة المصرف المواقع التي اشتراها في الأسواق، مستغلا معرفته بإجراءات الرقابة لإخفاء تحويلات مصرفية عبر معاملات وهمية. واكتشف البنك الاحتيال في التاسع عشر من الشهر الجاري، ومنذ ذلك الوقت قام بتصفية المواقع المشتراة، لكن عملية الاحتيال أدت إلي خسائر نظرا لحجمها. وإضافة لخسائر عملية الاحتيال هذه خسر سوسيتيه جنرال ملياري يورو من تراجع سعر أسهم المصرف بسبب ازمة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدة. وإثر كشف القضية أوقف البنك تداول أسهمه في بورصة باريس بعدما فقد أكثر من ثلاث ونصف نقطة مئوية من قيمته في الأسواق بعد الإعلان عن الاحتيال. وسرت رعدة في أوصال صناعة البنوك العالمية اثر كشف عملية الاحتيال التي جاءت في وقت تترنح فيه هذه الصناعة بتأثير ازمة الرهن العقاري عالي المخاطر مع تخلف المقترضين عن سداد ديونهم. وقال المحلل في "فورتيس" كارلوس جارسيا ان الحادثة تثير شكوكا خطيرة بشأن نظم إدارة المخاطر في بعض البنوك، إذ لا يمكن إعلان خسارة سبعة مليارات دولار فجأة بين يوم وليلة. وتعتبر هذه الخسارة الاكبر في تاريخ المؤسسات المالية التي يسببها متعامل واحد، متجاوزة خسائر مؤسسة سوميتومو كورب اليابانية قدرها 2.6 مليار دولار بسبب المتعامل في عقود النحاس ياسو هاماناكا، وخسارة 1.4 مليار دولار ألحقها المتعامل نيك ليسون ببنك بارينجز البريطاني في التسعينيات. كما يتجاوز هذا الاحتيال خسائر بلغت ستة مليارات دولار تعرض لها صندوق أمارانث للتحوط بسبب المتعامل بريان هنتر وفريقه قبل انهيار الصندوق في 2006. وقال البنك إن وسيطا يعمل في مقر البنك بباريس يقف وراء عملية الاحتيال، والتي تم بموجبها الدخول في عمليات وساطة خاسرة، واجراء تحويلات وهمية، مشيرا إلي أنه تم ايقاف الموظف المسئول عن تلك الفضيحة. وذكر البنك ان لجنة تحقيق تابعة للبنك بدأت اجراءات فصل الموظف الذي أقر بالاحتيال علي البنك، وستبدأ الاجراءات القانونية ضده، كما أن مسئولي البنك الذين كانوا يتولون الاشراف علي عمل ذلك الموظف، سيغادرون هم أيضا عملهم. وفور الكشف عن هذه القضية، تم وقف التداول علي أسهم بنك سوسيتيه جنرال في بورصة باريس، لتجنب مزيد من الخسائر لحملة أسهم البنك وعقب الكشف عن عملية الاحتيال المدوية سارعت السلطات الفرنسية بالتعاون مع البنك لتهدئة الاسواق. وسارع كريستيان نوييه محافظ البنك المركزي الفرنسي بالتأكيد علي متانة وضع البنوك الفرنسية وانه لايقلقه الحادث ولا تقلقه ازمة الرهن العقاري عالي المخاطر وان كل التدابير الضرورية أعلنت أو ستعلن في الأيام المقبلة. وقال "إننا نعلم بالضبط حجم المخاطر. والمخصصات لتغطيتها ولا يوجد قلق علي الاطلاق. فالنظام المصرفي الفرنسي قوي تماما ومتين تماما". وكرر تصريحاته السابقة بأن فضيحة الاحتيال التي هزت بنك سوسيتيه جنرال لا علاقة لها بأزمة الرهن العقاري وأنه تم الكشف عن كل مكامن الضعف. وقال انه بالنسبة لي حسابات سوسيتيه جنرال تم تطهيرها وكل شيء واضح. ووصف دانيال بوتون رئيس مجلس ادارة البنك عملية النصب بأنها "مجرد حالة واحدة" ونفي أن تكون نتيجة ممارسة خاطئة في اجراء التعاملات أو في قدر المجازفة غير أن محللين يقولون إن مستقبل بوتون لا يبدو مضمونا، بعد اخفاق البنك في اكتشاف التعاملات الخاطئة التي أدت إلي خسارته. ويضيف هؤلاء ان الخسارة التي مني بها البنك تجعله في وضع ضعيف أمام أي عملية استحواذ. ويقول ألان كروزات من المؤسسة المالية "مونتسيجور" لصحيفة "لوباريسيان": بالتأكيد سيخسر بنك سوسيتيه جنرال استقلاليته بعد عملية كهذه، وسيكون هناك إعادة تحديد لعالم المصارف والأعمال، وفرنسا لن تكون استثناء". ويقول البنك ان عملية النصب استندت إلي تحويلات بسيطة، لكن تمت التغطية عليها "بأساليب معقدة ومتنوعة". وكان كيرفيال قد قام بفتح حسابات عديدة ضارب من خلالها علي تحسن الاداء المستقبلي للأسواق بما يفوق الحد المسموح له به. إلا أن هذه الاسواق خذلت الموظف الموصوف بالعبقري، فأخذ يخسر، ثم أخذ يضارب بما يضمن له الخسارة حتي لا تكتشف تعاملاته بمبالغ غير مسموح له بتجاوزها. ويقول البنك انه قد توافرت لدي كيرفيال معرفة كبيرة بأساليب التحكم اكتسبها من عمله السابق. وتقول تقارير ان كيرفيال عمل ضمن فريق منتجات "دلتا واحد" في باريس. ويضيف هؤلاء ان كيرفيال ربما لم يكن يسعي لتحقيق مكسب شخصي من عمليات النصب هذه.