عندما يقع المرء في حفرة فعليه ان يكف عن الحفر.. هذه كما تقول مجلة "الايكونوميست" ابسط قواعد السلامة ولكن الحكومة البريطانية لم تراع هذه القاعدة منذ ان قررت في سبتمبر الماضي ان تقدم ضمانة لبنك الرهونات العقارية نورترن روك بعد ان استنفد كل ما لديه من سيولة، ولذلك فإن تورط الحكومة في ازمة هذا البنك تزداد عمقا يوما بعد يوم. لقد مدت الحكومة خطا من الائتمان الي بنك نورترن روك من اجل تعويمه حتي وصلت ديونه للبنك المركزي البريطاني إلي 25 مليار جنيه استرليني "50 مليار دولار" وفي البداية ضمنت الحكومة ما لدي البنك من ودائع ولكن وزير الخزانة اليستير دارلنج راح خطوة خطوة يضمن المزيد والمزيد مما علي البنك من ديون علي امل انقاذه باعتباره من اقدم بنوك انجلترا حيث يرجع تاريخه الي عام 1866. وفي 18 ديسمبر الماضي تقدمت الحكومة خطوة اخري في اتجاه بنك نورترن روك اشبه بالتأميم حيث قررت ضمان جملة كل ما عليه من ديون. وهذا يعني عمليا أن الحكومة البريطانية صارت ضامنا مباشرا لثلث التزامات هذا البنك والتي تزيد قليلا علي 100 مليار جنيه استرليني "200 مليار دولار" وذلك بجانب ضمان بنك انجلترا البالغ حجمه كما قلنا 25 مليار استرليني "50 مليار دولار" وباختصار فإن اجمالي التزامات الحكومة تجاه البنك قد بلغ رقما يناهز 55 مليار جنيه استرليني "110 مليارات دولار" وهو رقم يحدث اضطرابا في معدة أية حكومة. لقد بالغت الحكومة في دعم بنك نورترن روك وحملت دافعي الضرائب أكثر مما يحتملون.. وخرجت علي خطها الاستراتيجي الذي تتبعه تجاه البنوك. ويبدو أن وزير الخزانة دارلنج يراهن علي الوقت حتي يجد مشتريا من القطاع الخاص يقدم علي شراء هذا البنك المتعثر ولكن هذا أمل يصعب تحقيقه علي الأقل في الظروف الحالية. وحقيقة الأمر أن حالة البنك تزداد سوءا فمنذ ضمنت الحكومة ما لدي البنك من ودائع في منتصف سبتمبر 2007 دأب المودعون في البداية علي سحب ما بين 5 و10 ملايين جنيه استرليني يوميا ثم تصاعد الرقم المسحوب ليصبح 200 مليون جنيه استرليني في شهر نوفمبر الماضي أو في بعض أيامه علي الأقل ولولا الضمانة الأخيرة التي قدمتها الحكومة البريطانية لشهد البنك سحب كل ما لديه من ودائع كبيرة كانت أم صغيرة في الأيام الأخيرة لعام 2007 المنصرم. ولابد من الاعتراف بأن محاولات بيع بنك نورترن روك قد باءت كلها بالفشل لأن القطاع المصرفي البريطاني والعالمي علي حد سواء ليس في وضع يمكنه من شراء بنك في حجم نورترن روك في هذه الأيام. لقد تقدم لشراء بنك نورترن روك طرفان هما ريتشارد برانسور رئيس فيرجين جروب، ولقمان ارنولد رئيس اوليفانت الذي كان ذات يوم رئيسا لأحد كبريات بنوك الرهن العقاري في بريطانيا. ولكن أيا من الطرفين لم يكن لديه استعداد لاقتراض مبلغ 10 15 مليار دولار لكي يستخدمها في بدء سداد ما علي بنك نورترن روك من ديون للبنك المركزي البريطاني. كما أن أيا منهما لم يكن لديه الاستعداد لسداد باقي مستحقات البنك المركزي البريطاني قبل حلول عام 2010. وفي 14 ديسمبر الماضي طلبت الحكومة البريطانية من بنك الاستثمار الشهير جولدمان ساكس البحث عن عملاء لشراء نورترن روك. ولكن احتمالات نجاح جولدمان ساكس فيما فشل فيه الآخرون تبدو بعيدة المنال حتي الآن علي الأقل. وهكذا يظل الأمل الوحيد في بيع نورترن روك معلقا علي شرطين. أولهما حدوث نشاط سريع في سوق الائتمان خلال العام الحالي يتيح للمسشترين توفير السيولة اللازمة لشراء هذا البنك التعيس. وهذا شرط ينطوي علي مبالغة في التفاؤل برغم تدخلات البنك المركزي البريطاني وتخفيضه لسعر الفائدة بين البنوك "انتربانك". أما الشرط الثاني فهو أن يوافق حملة الأسهم في نورترن روك علي صفقة تخفض نصيبهم فيه.